بقلم : أسامة غريب
يا أهل البلد. فيه دكر بط تايه من بعد صلاة العِشا. اللى يلاقيه يوديه عند إمام المسجد. الدكر رايح صباحية لعريس.
هذا النداء الذى أجراه صاحبه من ميكروفون المسجد فى البلدة الصغيرة كان محور تعليقات لا نهاية لها على مواقع التواصل الاجتماعى. أثار النداء دهشة الناس وتعجبهم ولم يفهم بعضهم معنى دكر بط تايه!.. والحقيقة أن هذا النداء الذى لم أستطع أن أتعرف على مدى صدقه واتصاله بحادث حقيقى ضاع فيه دكر بط، أم أنه مزحة من أحد المهرجين أراد أن يتخذها سبيلاً لإضحاك الناس.. هذا النداء مسّنى وأثر فىّ أيما تأثير، لأننى بعد الدهشة الأولية والضحك المفترض تنبهت إلى أن هذا الحدث لو كان حقيقياً فإنه يكون بمثابة ضربة قاصمة لأم العروس التى اشترت بطة صغيرة من السوق قبل شهر أو أكثر من موعد زفاف ابنتها ثم أخذت تتعهد البطة بالرعاية والتزغيط صباح مساء حتى تسمن وتكتسى باللحم قبل اليوم الموعود، حتى تضعها فى الصينية وقد تحيطها بالبطاطس والطماطم والبصل وتبعثها لعريس ابنتها فى الصباحية من أجل أن يرم عضمه ويتقوّت استعداداً لأيام حلوة تحتاج منه إلى الصحة والطاقة. لاشك أن النداء الذى أكد فيه الرجل بصوت رخيم على أن الدكر رايح صباحية لعريس قد مس كل أهل البلد فى العمق فكلهم معرضون لموقف كهذا ويعلمون مدى الحرج الذى يشعر به أهل العروس مع عدم قدرتهم على شراء دكر بط جديد.. المنادى هنا يناشد فى الناس النخوة بتأكيده على أهمية الطير التائه، فلو كان الأمر مجرد وليمة يقيمها رب أسرة لأولاده لهان الأمر
وأمكن الاستعاضة عنه بأى شىء، لكن الأعراس وطقوسها هى مناسبات حرجة ماسة بالكرامة، والوفاء بمقتضيات هذه المناسبات هو مما يبعث على رفع الرأس ونفش الريش بين الناس. من المثير فى النداء أيضاً أن المنادى حدد موعد توهان الطائر بأنه بعد صلاة العشا، أى أن اللص الأثيم غافل الناس وهم منشغلون بالصلاة واستغل رغبة الدكر فى أن يتجول خارج الدار قليلاً ثم التقطه وانطلق به إلى مخبئه. عامل الوقت فى مثل هذه الحوادث مهم للغاية، إذ بينما ينشغل الناس باللغو والتنظير قد يكون السارق قد جهّز الماء الساخن وشرع فى تنظيف الدكر من الريش بعد ذبحه، ولعله يقوم بتقليبه فى الحلة الكبيرة ويتأمل فى شوق الدسم الواعد بشوربة فاخرة. لابد من التحرك السريع ومحاصرة بيوت المشبوهين والمشاغبين فى القرية والقيام بعمل مداهمات عند اللزوم قبل أن ينتهى الموضوع. ومع ذلك فإننى أعتقد أن نقطة الضعف الرئيسية فى النداء تمثلت فى دعوة المنادى لمن يعثر على الدكر أن يودعه لدى إمام المسجد.. هذه الدعوة قد تكون أضاعت دكر البط إلى الأبد، ولاشك أن المنادى كان حَسن النية ولم يقصد أن يجنى على العريس ويحرمه من طاجن الزفر، كما لم يقصد أن ينكد على العروس وأمها، لكنه برعونته ضيّع الفرصة، حتى لو امتثل السارق وأعاد دكر البط!
المصدر : صحيفة المصري اليوم