توقيت القاهرة المحلي 12:31:57 آخر تحديث
  مصر اليوم -

من بعيد

  مصر اليوم -

من بعيد

بقلم أسامة غريب

عرفت فى كندا أناساً من ذوى اللحى الطويلة كانوا يسكنون بالقرب منى، التقيت بهم فى المسجد فى صلاة العيد، وعرفت أنهم من الإسلاميين المتشددين، الذين تجمعهم الأفكار حول أهمية اجتماع المستضعفين فى بقعة بعيدة من الأرض والبدء فى الدعوة لدين الله الحق بعيداً عن البيئات الطاردة التى خرجوا منها. كان يثير دهشتى أن هؤلاء الناس لا يحاولون تعلُّم اللغة الإنجليزية أو الاندماج فى المجتمع الذى هاجروا إليه.. بالعكس كانوا يغلقون الحياة على أنفسهم فى مجتمع ضيق، وينظرون للآخرين على أنهم أغيار يتعين الابتعاد عنهم ما دمنا قد عجزنا عن هدايتهم وضمهم إلى الجماعة!. ما كان يدهشنى هو: ما الذى يدعو الناس إلى ترك بلادهم واللجوء إلى بلاد لا يحبونها والعيش والاستقرار فيها وهم يحملون لأهلها طول الوقت شعوراً بالنقمة والقرف؟.. ألا تستحق هذه البلاد التى استقبلتهم بالحنان والرحمة وطيَّبت خواطرهم وداوت جراحهم.. ألا تستحق منهم أى عرفان؟ ولماذا يأتون إليها إذا كانت معاييرها فى الحياة لا توافق معاييرهم؟ قد يقول قائل إن هؤلاء الناس معذورون، فقد فروا بدينهم ومعتقداتهم من بلاد مستبدة، ثم لم يجدوا أَحَنَّ عليهم من البلاد التى يسمونها «بلاد الكفر والضلال»، فسكنوها على مضض، وقد انتووا أن يجتنبوها ليتقوا شرور ومفاسد الحياة فيها. ولكن هنا يبرز أكثر من سؤال حول مشروعية أن تبتز مشاعر قوم وتظل تعرض مأساتك على منظماتهم وجمعياتهم حتى يقبلوا بك ويسمحوا لك بالعيش فى بلادهم ويمنحوك مسكناً وجُعلاً مالياً كل شهر، ثم بعد ذلك لا يؤثر فيك كل هذا، وإنما تتعامل مع عطائهم باعتباره فطنة من جانب المؤمنين فى استغلال غفلة الكفار والاستفادة من نقاط ضعفهم!.

وسؤال إضافى آخر لم أتوصل لإجابته هو: لماذا اختاروا بلاد الغرب الكافر ولم يهاجروا إلى دول إسلامية من التى تطبق الشريعة كما يحبونها، فيعيشون فى حالة توافق مع الحياة ولا يشعرون بالغربة أو الوحشة وسط أقوام مختلفين عنهم فى كل شىء. ما الذى يمنع هؤلاء المؤمنين من الفرار بدينهم إلى السعودية، حيث القوم هناك ذوو لحى والنساء منتقبات ولهم نفس ما لهؤلاء من آمال وأحلام، وحيث التليفزيون الرسمى لا يبث إلا برامج دينية؟ أو لماذا لا يفرون إلى باكستان أو أفغانستان، حيث يلقون الصحبة المناسبة ويساهمون فى دعم المجتمع الإسلامى الذى يحلمون بتأسيسه؟، لماذا لا يرتحلون إلى السودان التى تبرأت من المسيحيين والوثنيين، فمنحتهم دولة فى الجزء الجنوبى من البلاد حتى يصفو لها الجزء الشمالى وتقيم عليه دولة الإسلام؟، لماذا يتركون البيئة الطبيعية المخلوقة من أجلهم ويذهبون إلى مجتمع ينفرون منه منذ اللحظة الأولى؟!.

أعتقد والله أعلم أنهم فى قرارة أنفسهم يعرفون الحقيقة وإن كانوا ينكرونها حتى بينهم وبين أنفسهم.. فهؤلاء الناس فى النهاية هم بشر وليسوا كائنات فضائية، ولا شك أنهم مثلنا يفزعون من إمكانية التعرض للجلد أو الضرب على القفا أو قطع الرأس دون ذنب، لكنهم يتصورون أن الإقرار بهذه الحقيقة قد ينتقص من إيمانهم، لهذا فإنهم يسافرون إلى كندا، ثم يمتدحون التجربة الإسلامية فى السعودية والسودان وأفغانستان.. من بعيد!.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

من بعيد من بعيد



GMT 04:59 2024 الأربعاء ,03 تموز / يوليو

العروبة والوحدة

GMT 04:59 2024 الإثنين ,01 تموز / يوليو

ليت قومى يعقلون

GMT 06:42 2024 السبت ,22 حزيران / يونيو

وارد بلاد برة

GMT 23:52 2024 الثلاثاء ,18 حزيران / يونيو

مأمون الشناوي

GMT 03:14 2024 الجمعة ,14 حزيران / يونيو

الاتفاق العادل غير مطلوب

إطلالات عملية ومريحة للنجمات في مهرجان الجونة أبرزها ليسرا وهند صبري

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 18:09 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

بانكوك وجهة سياحية أوروبية تجمع بين الثقافة والترفيه
  مصر اليوم - بانكوك وجهة سياحية أوروبية تجمع بين الثقافة والترفيه

GMT 09:06 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

وزيرا خارجية مصر وأميركا يبحثان هاتفيا الوضع في الشرق الأوسط
  مصر اليوم - وزيرا خارجية مصر وأميركا يبحثان هاتفيا الوضع في الشرق الأوسط

GMT 10:57 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

درّة تكشف تفاصيل دخولها لعالم الإخراج للمرة الأولى
  مصر اليوم - درّة تكشف تفاصيل دخولها لعالم الإخراج للمرة الأولى

GMT 09:38 2021 الإثنين ,20 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم الإثنين 20/9/2021 برج الحوت

GMT 00:05 2023 الثلاثاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الأهلي يستقر على التجديد لعمرو السولية

GMT 07:13 2021 الثلاثاء ,20 تموز / يوليو

جزء ثانٍ من فيلم «موسى» في صيف 2022 قيد الدراسة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon