بقلم أسامة غريب
فى 16 سبتمبر عام 1982 قامت ميليشيات الكتائب اللبنانية المدعومة من إسرائيل بدخول مخيمى صابرا وشاتيلا فى بيروت وقتل أكثر من ثلاثة آلاف من الأطفال والنساء والعجائز الفلسطينيين. كانت قوات شارون قد تكفلت بحصار مداخل المخيمين وأخذ الطيران الإسرائيلى فى إلقاء القنابل المضيئة التى سهلت للقتلة مهمتهم ومكنتهم من ارتكاب عمليات القتل والنهب والاغتصاب التى استمرت ثلاثة أيام متصلة.
بعد 34 سنة من ارتكاب المجزرة يمكننا أن نجيب عن السؤال: لماذا سهُل على المجرمين ارتكاب جريمتهم؟.. لأن الفلسطينيين وثقوا بالتعهدات الدولية التى كفلت حماية المخيمات بعد رحيل المقاتلين الفلسطينيين عن بيروت كنتيجة للغزو الإسرائيلى الذى بدأ فى منتصف يونيو من نفس العام. الآن بتنا نعرف أن ترك المدنيين العزل بدون حماية ظناً بأن المواثيق الدولية ستحميهم هو محض وهم.. غاب المقاتل الفلسطينى عن المخيم فتم ذبح أهله. هل تفهمون الآن لماذا يسخر حزب الله من الدعاوى التى تطالبه بالتخلى عن السلاح وترك مهمة الدفاع عن لبنان للجيش اللبنانى؟ لأنه إن فعل فسيتم ذبح سكان الجنوب كالشياه بدون رحمة.. فهذا السلاح لا يحميهم من جيش العدو فقط ولكن من حزب إسرائيل وحزب السعودية فى لبنان! وبالرغم من هذا فمن المهم أن نفهم أن الميليشيات المارونية التى نفذت المجزرة كانت متسلحة بكل هذه الوحشية رداً على مقتل زعيمهم بشير الجميل الذى كانت إسرائيل قد نصّبته رئيساً، وقد تم تفجير مقره يوم 14 سبتمبر 1982 فمات ومعه 25 من حراسه. ولو عدنا للخلف لنفهم سر العداء بين جانب من اللبنانيين وبين الوجود الفلسطينى فى لبنان لعرفنا أن الإقامة فى الشتات بالنسبة للفلسطينيين واتخاذهم لبنان قاعدة لشن الهجمات ضد إسرائيل لم تكن كلها بطولات تُغنّى على الربابة، لكن كان لهذا الوجود آثار جانبية حفرت أخدوداً من الكراهية فى النفوس.. حدث ذلك عندما كان المقاتل الفلسطينى ينزل السوق فى بيروت لشراء الخضار والفاكهة وهو يمتشق الكلاشنكوف وأحياناً راجمة صواريخ!.. كانت الظروف الضاغطة تُنسى البعض أنه ليس كل اللبنانيين واقعون فى هوى فلسطين لدرجة التضحية بالأمن والكرامة.. هناك مواطنون عاديون يحلمون بالحياة البسيطة، ولا يسعدهم أن يقيم بينهم ضيوف مسلحون يستغلون ضعف الدولة اللبنانية لتعويض مآسيهم التى لا ذنب للبنانيين فيها!. ولو عدنا للخلف أكثر لاكتشفنا أن الاحتلال الإسرائيلى هو أس البلاء فى كل ما حاق بمنطقتنا من عذاب وآلام، فالفلسطينيون لم يكونوا ليتمددون فى لبنان لو لم يكونوا قد شردوا وطردوا من أراضيهم، والسوريون لم يكونوا ليدخلون لبنان من أجل إقرار الأمن ومنع الاحتكاك بين الفلسطينيين والمسيحيين اللبنانيين، وهو الاحتكاك الذى فجر شرارة الحرب الأهلية اللبنانية وما تلاها من كوارث، والفلسطينيون لم يكونوا ليحصلوا على الحق فى التواجد المسلح على الأرض اللبنانية طبقاً لاتفاق القاهرة عام 69 فى ذروة صعود عمليات المقاومة ضد إسرائيل، وهو الحق الذى سبب لاحقاً حنقاً بالغاً لدى المضيفين.
لن ننسى مجزرة صبرا وشاتيلا ولن نسامح مرتكبيها، وعلى رأسهم الإرهابى سمير جعجع، الذى يستقبله الحكام اليوم فى العالم العربى وكأن يديه لم تتلوثا بدماء الأطفال. رحم الله الشهداء ولعن قاتليهم.