أسامة غريب
ولم أرَ فى عيوب الناس عيباً كنقص القادرين على التمام. هذا البيت للمتنبى ينطبق بشدة على حال صناع مسلسل أفراح القبة، فقد كانت أمامهم فرصة ذهبية لصنع عمل أسطورى بعدما توفر للعمل قصة غنية لنجيب محفوظ وسيناريست موهوب هو أمين راضى ومخرج متميز هو محمد ياسين وممثلون جيدون، لكن صناع العمل آثروا أن يفسدوه. وعلى الرغم من قدر الإعجاب الذى مازال الجمهور يبديه نحو العمل، فإن هذا الجمهور لا يعلم أن هذه المباراة التى انتهت 1/صفر كان يمكن فيها الفوز بنصف دستة أهداف لولا.. لولا ماذا؟
لولا الإصرار المقيت على أن يكون العمل ثلاثين حلقة حتى لو كانت الحدوتة لا تحتمل أكثر من عشر حلقات.. هذا العمل لنجيب محفوظ لم يُخلق من أجل تقديمه فى 20 ساعة، ومع ذلك كان فى الإمكان خلق عمل متسّق لو استمر راضى فى كتابة الحلقات.. لكن للأسف فإن اختلاف المخرج والمؤلف وتوقف الأخير عن الكتابة بعد سبع عشرة حلقة أفسد المسلسل واضطر صانعيه إلى الإبحار بالعمل فى زوارق ضيقة نحو مرافئ ضحلة.
فى الحلقات الأولى كان واضحاً أن المخرج قد استقر عزمه على أن يعيد تدوير الحلقات السبع عشرة ويصنع منها «ثلاثين» عن طريق إعادة المشهد الواحد وتكرار عرضه عدة مرات!.. ولكن وضح أن هذا التكرار الذى أفسد العمل لم يفلح فى ملء ثلاث عشرة حلقة باقية. كانت الورطة واضحة تماماً، خاصة فى الحلقتين اللتين تضمنتا وفاة أحد العمال فى المسرح.. هذا العامل ليس له أى دور فى المسلسل، يعنى مجرد هواء، ومع ذلك ومن أجل الحشو فقد أقاموا جنازته فى المسرح بدلاً من نقله إلى بيته، وجعلوا أهله يستقبلون المعزين داخل المسرح وأحضروا شيخاً وقسيساً فى مشهد ضعيف بعد أن افتعلوا أن اسمه محمود مرقص.. منتهى التيه والضياع بينما فى أيديهم عمل يمكن أن يكون عظيماً!. ليست هناك مشكلة فى ابتداع شخصيات جديدة لا وجود لها فى العمل الأصلى، فقد فعل أمين راضى ذلك واخترع لتحية أختين وأماً وأباً، لكنه كان يُحكم الإمساك بالشخصيات ويزنها بمهارة ويجرى على لسانها حواراً بديعاً يدل على جهد بحثى لمحاكاة مفردات ذلك الزمن وتلك البيئة، لكن يبدو أن رحيله عن العمل قد سبّب خللاً لم يحله تكرار المشهد الواحد فى حلقات عديدة لاستهلاك الوقت، لأن هذا التكرار أضعف العمل وأكل من رصيده، فمثلاً تحية التى أدت دورها منى زكى انتهت مشاهدها تماماً بعد الحلقة العاشرة، ولم يعد فى الإمكان ربطها بأى خيط درامى جديد، ومع ذلك ظللنا نرى مشاهدها مع طارق ومع عباس تتكرر وتعاد لأجل ملء الوقت. مأساة أن يكون الوقت عبئاً على صناع العمل، خاصة لو كان عملاً متميزاً أبلى صناعه فيه بلاء حسناً، وأخص بالذكر سلوى عثمان التى أدت دور عمرها فى شخصية أم هانى، وسامى مغاورى فى شخصية بُرجل. وربما من حسن حظنا أن شهر رمضان ثلاثين يوماً فقط وليس أربعين وإلا لعادت الأحداث بنا إلى جِدّة تحية عندما كانت مسؤولة جهاد النكاح فى جيش عرابى، وجدها المنحرف الذى كان يضاجع القطط فى المنور!.