بقلم أسامة غريب
اللقاءات التليفزيونية التى تتعلق باحتفاليات تتكرر سنوياً هى أسوأ اللقاءات.. نفس الضيوف كل عام ونفس الأسئلة، مع إذاعة نفس الأغانى التى سئمها الناس. لا تخرج احتفالات أكتوبر عن الوصف السابق، ولطالما تمنيت أن يفاجئنى التليفزيون بفقرة طيبة تستحق أن يراها الناس عن حرب أكتوبر، بعيداً عن ذكريات أغلبها كاذب تجرى على ألسنة ضيوف متكلسين ليس لديهم أى جديد.
فى هذا العام شاهدت لقاء كانت ضيفته السيدة جيهان السادات لعرض ذكرياتها عن حرب أكتوبر، تلك الذكريات التى سمعناها منها طيلة سنى رئاسة أنور السادات، ثم اختفت مع مقدم سيدة جديدة للقصر، قامت بقطع الماء والنور عن جيهان السادات وعائلتها، وحرمتهم من الأضواء.. والآن تعود من جديد بعد أن توارت الست سوزان، زوجة صاحب نصر أكتوبر، الذى استأجره لمدة ثلاثين عاماً، ثم اضطر لتسليمه لأصحابه بعد نهاية المدة!.
فى هذا اللقاء حكت السيدة جيهان أنها كانت يوم 6 أكتوبر 73 جالسة بالبيت تسمع الراديو، وكان لديها ضيوف ومعها أبناؤها يستعدون جميعاً لتناول طعام الغداء عندما قطع الراديو بثه المعتاد ليذيع البيان الأول. قالت جيهان إنها لم تصدق من فرط السعادة خبر الحرب الذى لم يُحطها به الرئيس السادات علماً، فتركت الغداء وتحركت لتقوم بواجبها فى المعركة.
أعاد لى هذا الحديث ذكرى حديث شبيه به تم مع الأستاذ صبحى صالح، القيادى بجماعة الإخوان، وذلك بقناة المحور عام 2012، وكانت المناسبة أيضاً الاحتفال بذكرى حرب أكتوبر. روى «صالح» ذكرياته عن ذلك اليوم المجيد، فقال إنه كان طالباً بالجامعة فى ذلك الوقت، وكان يجلس مع صديق يتناولان طعام الغداء عندما استمع فى الراديو إلى أخبار الاشتباكات التى اندلعت على طول خط المواجهة مع قيام جنودنا بعبور قناة السويس. قال «صالح» إنه كان متشككاً فى البداية فى صحة البيانات العسكرية بعد تجربة البيانات المُضلِّلة فى 67 لكنه أدرك بعد ذلك أن الأمر مختلف.
ما يسترعى الانتباه فى حديث جيهان السادات قبل عدة أيام وحديث صبحى صالح قبل أربعة أعوام أن كلا منهما كان يجلس لتناول طعام الغداء مع أصدقاء.. لم يكن أى منهما يتغدى وحده، لكن بصحبة آخرين، وما حدث أن كلاً منهما ترك طعامه وانصرف لمتابعة أخبار الحرب.
ليس عندى أى أسباب للتشكيك فى هذا الكلام، لأن ذكرى كهذه تكون محفورة فى الذاكرة، وأنا عن نفسى لا أنسى أننى استمعت لخبر العبور، بينما كنت عائداً من المدرسة فى ذلك اليوم، وأذكر جيداً الشارع الذى كنت أسير فيه وجمهرة الناس بجوار محل المكوجى، الذى كان يبث من الراديو أخبار الحرب.. لكننى على العكس من «جيهان» و«صالح» كنت صائماً فى هذا اليوم، لأنه كان العاشر من شهر رمضان. من الطبيعى أننى لا أمارس الحسبة بحق أحد ولا ألوم أحداً لأنه لا يصوم..
هذا أبعد ما يكون عن طبيعتى، لكنى فقط مندهش أن بيت السادات ليس به شخص واحد يصوم، والعائلة كلها ومعهم الضيوف كانوا يتأهبون للهْط طعام الغداء. أما عن المحامى الإخوانى الشهير فلولا أنه فى السجن حالياً لردت عليه السيدة فتحية لموناتة، التى اعتادت فى ظروف كهذه أن تطلق أصواتاً بذيئة.. ويبدو أنه فى هذه الحرب لم يكن صائماً سوى الجنود الذين عبروا!