توقيت القاهرة المحلي 12:44:45 آخر تحديث
  مصر اليوم -

مركب الندامة

  مصر اليوم -

مركب الندامة

بقلم أسامة غريب

يثير غرق المركب الذى كان يحمل المهاجرين قبالة سواحل مدينة رشيد سؤالاً ينبغى أن نواجه أنفسنا به: هل تعايشنا وتآلفنا وأصبح عادياً بالنسبة لنا أن حياتنا أصبحت عبارة عن مسلسل طويل من النكبات والفواجع، ينسينا جديدها القديم منها؟.

لقد ركب هؤلاء التعساء سفينة الندامة، لأنهم فقدوا الأمل فى الحياة العادية فى مصر، وأصبح البقاء بالنسبة لهم يساوى الجحيم، ولعل هذا ما جعلهم يستهينون بالأخطار ويركبون سفينة يعلمون أن فرص وصولها للبر الآخر محدودة للغاية. الحكايات التى يرويها الناجون من الغرق تدمى القلب، فهناك من فقد زوجته وابنه، وهناك من فقد أباه وأخاه، وهناك من فقد أعز أصدقائه. فى السابق، كان عائل الأسرة وحده يسافر وتبقى الزوجة ترعى الأطفال. الآن لم يعد هذا الخيار موجوداً فالأسرة بكاملها لم تعد تحتمل البقاء فى وطن العار هذا الذى يقبضون فيه على الناجين من الغرق ويربطونهم بالسلاسل وهم لم يفيقوا بعد من فقد أعز من لديهم.

إننا نستطيع أن نؤرخ لحياتنا بتاريخ الكوارث التى كان يمكن تفاديها بقليل من العناية والاهتمام بأرواح الناس.. إننا لا نزال نذكر غرق السفينة السلام 98 ووفاة 1034 من ركابها بينما كان حسنى مبارك يغط فى النوم، ولم تثنه الفاجعة عن الذهاب للاستاد فى نفس اليوم لمتابعة مباراة لكرة القدم بصحبة الفاميليا السعيدة، كما أننا لا ننسى غرق السفينة سالم إكسبرس والسفينة السلام 95 وسيول قرية «درنكة» وسقوط عمارة هليوبوليس وعمارة الحاجة كاملة وعمارة عباس العقاد.. ولا يمكننا أن ننسى كارثة قصر ثقافة بنى سويف التى راح ضحيتها 40 فنانا ماتوا حرقا داخل فرن يسمونه مسرحاً، ومن قبلهم مات 400 من ركاب قطار ظل يسير مشتعلا لمدة نصف ساعة، وركابه يصرخون ولحمهم المشوى يتصاعد شياطه حتى أراحهم الموت.

إن المأساة التى تحمل حزناً لا قرار له أن الناس عندنا يظلون على قيد الحياة فقط بفضل الفساد بعد أن سُدت فى وجوههم كل الطرق المؤدية إلى لقمة العيش الشريفة التى تكفل لهم الستر، ولقد أصبح الناس فى حالة تصالح مع الانحراف والفساد لدرجة أنهم يتعاملون مع الرشوة بودٍّ بالغ، باعتبارها السبيل الوحيد للعيش، صحيح هم يعلمون أن الفساد قد سلب منهم الكثير، لكنهم يحفظون له الجميل لأنه أبقى على حياتهم وجعل استمرارها مرتبطا باستمراره فى رابطة جهنمية من صنع الشيطان. هناك من قبلوا هذه الصيغة ورضوا أن يعيشوا عيشة البهائم تلك الخالية من العزة والكرامة، لكن فى المقابل هناك من رفض الحياة بهذا الشكل وحاول أن يغيرها بشتى الوسائل، فلما أعجزته الحيل، لم يجد سوى أن يفر على ظهر مركب متهالك طالباً النجاة. إن ركاب هذه المراكب التى تسميها الصحف مراكب الهجرة غير الشرعية هم من النوع النبيل من البشر، لأنهم كانوا يستطيعون البقاء مع أكل اللقمة المغموسة بِذُل السرقة أو الغش أو الرشوة، لكنهم قفزوا إلى هذه المراكب لأنهم أرادوا الحياة النظيفة. لقد أصبح رزق المواطن المصرى مسموماً بفعل الرشوة والسرقة، والبديل المتاح بكل أسف ليس الرزق الحلال.. لكنه الموت!.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مركب الندامة مركب الندامة



GMT 04:59 2024 الأربعاء ,03 تموز / يوليو

العروبة والوحدة

GMT 04:59 2024 الإثنين ,01 تموز / يوليو

ليت قومى يعقلون

GMT 06:42 2024 السبت ,22 حزيران / يونيو

وارد بلاد برة

GMT 23:52 2024 الثلاثاء ,18 حزيران / يونيو

مأمون الشناوي

GMT 03:14 2024 الجمعة ,14 حزيران / يونيو

الاتفاق العادل غير مطلوب

إطلالات عملية ومريحة للنجمات في مهرجان الجونة أبرزها ليسرا وهند صبري

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 18:09 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

بانكوك وجهة سياحية أوروبية تجمع بين الثقافة والترفيه
  مصر اليوم - بانكوك وجهة سياحية أوروبية تجمع بين الثقافة والترفيه

GMT 09:06 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

وزيرا خارجية مصر وأميركا يبحثان هاتفيا الوضع في الشرق الأوسط
  مصر اليوم - وزيرا خارجية مصر وأميركا يبحثان هاتفيا الوضع في الشرق الأوسط

GMT 10:57 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

درّة تكشف تفاصيل دخولها لعالم الإخراج للمرة الأولى
  مصر اليوم - درّة تكشف تفاصيل دخولها لعالم الإخراج للمرة الأولى

GMT 09:38 2021 الإثنين ,20 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم الإثنين 20/9/2021 برج الحوت

GMT 00:05 2023 الثلاثاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الأهلي يستقر على التجديد لعمرو السولية

GMT 07:13 2021 الثلاثاء ,20 تموز / يوليو

جزء ثانٍ من فيلم «موسى» في صيف 2022 قيد الدراسة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon