بقلم:أسامة غريب
تلتهب الأجواء فى الجنوب اللبنانى، مع تصاعد التهديدات الإسرائيلية باجتياح الحدود ودفع قوات المقاومة اللبنانية خلف نهر الليطانى من أجل عودة المستوطنين الإسرائيليين، الذين هربوا من البلدات الحدودية على وقع صواريخ ومسيرات حزب الله. ذهب المبعوث الأمريكى هوكشتاين وعاد، وذهب وعاد، ثم غادر بيروت، بعد أن أوصل فى كل زيارة مجموعة جديدة من رسائل التهديد بمحو بيروت، وتحويلها إلى غزة جديدة، مع إعادة لبنان إلى العصر الحجرى. ومعروف أن هوكشتاين، الضابط الذى خدم فى الجيش الإسرائيلى، لا هَمَّ له سوى إخافة اللبنانيين من مغبة عدم الانصياع للتهديد الإسرائيلى.
المؤسف أن هذا الرجل عندما سُئل لماذا لا يطالب الإسرائيليين بالابتعاد عن الحدود بنفس المسافة المطلوبة من المقاومة، فإنه رفض مناقشة الأمر!. ولعل فى مغادرة الوفود الدبلوماسية الغربية للعاصمة اللبنانية فى الأيام القليلة الماضية ما يشير إلى اقتراب الحرب الشاملة بين إسرائيل ولبنان.
ومع ذلك يرى بعض المراقبين أن هرولة الدبلوماسيين وتحرك حاملات الطائرات الأمريكية والتنسيق السياسى بين دول حلف الناتو، كل ذلك جزء من خطة التخويف، وأنها لا تعبر عن خطر داهم وشيك قدر ما تمثل تحالفًا بغيضًا يرغب فى منح الإسرائيليين بالسياسة ما عجزوا عن تحصيله بالسلاح. وإذا كانت إسرائيل قد امتنعت عن اجتياح لبنان طوال الأشهر التسعة الماضية عندما لم تكن تعلم الكثير عن تسليح حزب الله وقدراته، فهل تراها تُقدم على هذه الخطوة المتهورة بعد طلعة «الهدهد»، التى قامت من خلالها طائرة لبنانية مسيرة بمسح خليج حيفا بالكاميرات وتصوير المرافق الحيوية والقواعد العسكرية ومخازن الأسلحة والصواريخ والميناء والمطار والشوارع الرئيسية، ثم عادت سالمة.. هل تُقبل إسرائيل على هذه المغامرة؟.
معروف أن استطلاع رأى أشار إلى أن الجمهور الإسرائيلى فى تل أبيب بالذات يؤيد بشدة غزو لبنان وتدمير البنية العسكرية لحزب الله، لكن يبدو أن هذا الجمهور، الذى لم يتعرض للخطر فى السابق فى أى حرب خاضتها إسرائيل، وكان أصعب ما عرفه هو صفارة إنذار، ثم الهبوط إلى الخنادق لدقائق قليلة، يعود بها لممارسة اللهو المعتاد.. يبدو أن هذا الجمهور لا يدرك ما عرفه سكان سيدروت وكريات شمونة، الذين عرفوا معنى القصف وذاقوا ويلات التشرد، بعد أن نجحت صواريخ المقاومة فى تهجيرهم وقلب حياتهم. إن نظرية الكلب المسعور، التى دشنها الآباء الأوائل للكيان الإسرائيلى، والتى تشجع على الاعتقاد بأن جيش إسرائيل هو كلب مسعور يرد الضربة بمائة ضربة ويرد على قتل العسكرى الإسرائيلى الواحد بقتل ألف مدنى عربى، قد لا تفلح هذه المرة لأن العدو الصهيونى يواجه خصمًا بإمكانه أن يُريهم منتهى الجنون، وأن خيار الحرب لن يعنى سوى التدمير المتبادل، وأن ما سيحيق ببيروت سيحدث مثله لتل أبيب، وأن السكان، الذين أيدوا الحرب وسعوا إليها، قد تُمطر عليهم السماء جحيمًا غير مسبوق، وربما لا تعصمهم الملاجئ..هذا فضلًا عن أن مصل الكلب المسعور أصبح متوفرًا لدى الطرف العربى.