توقيت القاهرة المحلي 09:28:49 آخر تحديث
  مصر اليوم -

التوك توك الطائر

  مصر اليوم -

التوك توك الطائر

بقلم أسامة غريب

انشغلت الصحف وشغلت الناس معها طوال الأيام بالماضية بحكاية جديدة من الحكايات التى اعتدنا عليها لتحقيق الإلهاء وسحب وعى الناس فى سكة الهجص والأوهام. الحكاية الجديدة تتعلق بمخترع من الفصيلة الجديدة قام بتحويل توك توك إلى طائرة من أجل تخفيف الزحام فى الشارع المصرى. ظلت وسائل الإعلام تتابع الاختراع كل يوم مع صاحبه وهو يتأهب للانطلاق به إلى السماء. ومن الطبيعى أن البطة الكسيحة لم تستطع التحليق أو الطيران، فاتخذت نفس الصحف من هذا الفشل وسيلة أخرى لتضييع الوقت فتبارت فى الحصول على تصريحات من المخترع الذى أبدى دهشته من أن التوك توك لا يطير وأنه لا يدرى ماذا يفعل! كل عدة أيام خبر جديد عن اختراع متميز يحل جانباً من مشكلات البشرية فى غمضة عين. أحدها عن طالب ثانوى يخترع جهازاً لفض المظاهرات بدون إراقة دماء، وآخر عن طالب الإعدادى الذى اخترع جهازاً لتوليد الكهرباء من العسل الأسود، وثالث عن طالب الابتدائى الذى اخترع صاروخاً عابراً للقارات من بقايا واحد شاى كشرى سكر برة، ورابع قام باختراع باتنين جنيه ونُص عيش فينو!

كل هذه نماذج لأخبار نشرت ما يشبهها وسائل إعلام محترمة لم تكتفِ بالنشر، لكن استفاضت فى شرح أهمية الاختراع والآمال التى يعلقها الوطن على نتائجه! لكن بعد ذلك لا حس ولا خبر ولا متابعة ولا إثبات ولا حديث عن جهات تبنت الاختراع، ولا أجهزة تعاقدت مع المخترع، ولا رجل أعمال تكفل برعاية الاختراع وصاحبه، ولا هيئة بحث علمى حفلت بالدخول على الخط ومناقشة العلماء الصغار. وهذا الإهمال التالى للدوشة والبروباجندا والصياح يعنى ببساطة أن الهجص والإلهاء هما الهدف من نشر هذا الهراء وترويجه، وأن المسألة كلها من قبيل الدعاية الفجة لمنتجات لا وجود لها تتشابه مع اختراع علاج الأمراض المستعصية بتحويل الفيروسات لأرغفة حواوشى!

الذى يثير الحنق فى هذه الأمور هو الاستخفاف بالجمهور المصرى والتعامل معه بحسبانه قطيعاً يمكن الاستمرار فى إدخال السعادة الزائفة إلى قلبه من خلال الأوهام، ولابد أن مطلقى هذه الهجايص هم أنفسهم الذين مرروا للإعلام أخباراً عن قائد البحرية الأمريكية الذى أسرناه وحبسناه فى دار ابن لقمان، وعن مذكرات هيلارى كلينتون التى كتبوها نيابة عنها، وفى كل يوم يضيفون إليها فصلاً جديداً، على حسب الحاجة!

يا سادة، إن المخترعات العلمية فى الوقت الحالى لم تعد عبارة عن إلهام أو وحى يتلقاه الشخص المتأمل وهو جالس تحت شجرة أو بينما يستحم فى البانيو.. هذه مرحلة تجاوزتها البشرية من زمان. الاختراعات الآن عملية بالغة الصعوبة والتركيب يلزم لها التفرغ التام وتحصيل معرفة علمية ضخمة ومتراكمة فى بيئة صحية تشجع على العلم وترعى المواهب.

إن الاستمرار فى نشر مثل هذه السخافات يرجح عندى أن لها مردوداً طيباً يحقق ما يريده مطلقوها من خلط للأوراق ورجرجة لدماغ الناس حتى لا يفيقوا، لكنى أظن أن مفعول كل هذا سيتلاشى مع الوقت، فهل يستعدون بهجايص جديدة أم يغامرون بمواجهة الهول المترتب على رؤية الناس للأمور على حقيقتها؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

التوك توك الطائر التوك توك الطائر



GMT 04:59 2024 الأربعاء ,03 تموز / يوليو

العروبة والوحدة

GMT 04:59 2024 الإثنين ,01 تموز / يوليو

ليت قومى يعقلون

GMT 06:42 2024 السبت ,22 حزيران / يونيو

وارد بلاد برة

GMT 23:52 2024 الثلاثاء ,18 حزيران / يونيو

مأمون الشناوي

GMT 03:14 2024 الجمعة ,14 حزيران / يونيو

الاتفاق العادل غير مطلوب

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 11:07 2020 الجمعة ,24 كانون الثاني / يناير

سعر الذهب في مصر اليوم الجمعة 24 كانون الثاني يناير 2020
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon