بقلم:أسامة غريب
يقول الرجل الذى فقد حذاءه بالجامع: كلكم أتقياء ورعون، تركعون وتسجدون فى خشوع، تبسملون وتحوقلون وتقرأون القرآن.. فمَن يا ترى سرق الحذاء أيها المؤمنون؟.
كل الناس تشكو من النذالة والأنذال، ويندر أن تجد جلسة بين أصدقاء تخلو من الشكوى من غدر الآخرين وقلة مروءتهم. هذا يعنى أن بعض مَن يشكون من النذالة هم فى حقيقتهم أنذال، ومع هذا فإن شكواهم قد تكون حقيقية وغير مفتعلة لأن السيئين من البشر كثيرًا ما يواجهون أناسًا أسوأ منهم، وما أغرب أن نجد نذلًا يشكو غدر الزمان عندما تنطلق مباراة الحياة بالبشر فى ملعب مفروش بالدهاء ويفوز فيها الأكثر قدرة على تسديد الطعنات والتحلل من الأخلاق.
ورغم ذلك فإن كلًّا منّا له أصدقاء ومعارف أشرار، وهنا تتعدد وجهات النظر فيما يخص كيفية التعامل مع الصديق الشرير.. هناك مَن يحذر منهم وينصح بالابتعاد عنهم ومقاطعتهم مقاطعة تامة درءًا لشرورهم واتقاء لنذالتهم. لكن هناك وجهة نظر أخرى ترتدى ثوب الواقعية ترى أن الحياة ليست خيرًا محضًا أو شرًّا بلا شوائب، وإنما هى خليط من هذا وذاك، وأن الأنذال لا يعلقون على جباههم لافتة مكتوبًا عليها «نذل» حتى يمكن عزلهم ووضعهم فى مكان آمن يمارسون فيه النذالة فى حق بعضهم البعض!. لقد أظهرت تجارب الحياة أن الصديق الشرير دائمًا ما كان قادرًا على إخفاء طبيعته إلى أن تكشفه المصادفة، وعندها نجد أن البعض يتخلص من مثل هذه الصداقة فى الحال، خاصة إذا لحقه منها ضرر مباشر، لكن المشكلة تكمن فى الذين عرفوا حقيقة النذل دون أن تلحقهم عواقب شره، وهؤلاء تجدهم يقفون على مسافة واحدة من الشرير وضحاياه، ولا يسهل عليهم التخلص من شرير أحبوه وتعودوا عليه وصار جزءًا من حياتهم!. وأحيانًا يكون فى حياة كل منّا بعض الأنذال الذين نؤثر الاحتفاظ بهم من أجل التسلية والكوميديا، وهذه مخاطرة وسلوك غير مأمون العواقب، خصوصًا من جانب الذين يتصورون أنفسهم أذكياء بدرجة كافية لأن يصادقوا نذلًا ثم يهمشونه ويضعونه خارج حياتهم دون السماح له بالنفاذ إلى العمق حتى لا يخرب هذه الحياة، لكنى أقول إن هذا المتذاكى فى الغالب ما يدفع ثمن غروره واستهتاره وتصوره أنه يمكن أن يلاعب شريرًا ويستخدمه من أجل الإثارة والتسلية دون أن ينال بعض لدغاته الدامية، فالأنذال ليسوا دمى للعب، لكنهم هم القادرون على التلاعب بالناس وتغيير تكتيكات الشغل، وما المواقف الطيبة التى يبدونها أحيانًا إلا بعض هذه التكتيكات!، وإذا ما ظننت أنك نجحت بذكائك فى تحييد ضررهم وتهميشهم فإنه يمكن لهم النفاذ إلى أهلك وأقرب أصدقائك، والنَّيْل منك فيهم أو عن طريقهم!.
أقول للذين يستمتعون بمصادقة الأشرار السيكوباتيين أو الذين يتحرجون لاعتبارات العيش والملح من أن يتخلصوا منهم: يمكنكم أن تروضوا الأسد والنمر والنسناس، لكن ترويض النذل غير ممكن.