بقلم أسامة غريب
ثنائية المطرب والملحن أو الممثل والمخرج واحدة، فهى علاقة بها طرف مفكر، مبتكر، خلاق، علاوة على طرف آخر دوره هو نقل هذا الإبداع وتجسيده والتعبير عنه، وقد يكون هذا مبدعاً أيضاً لكن فى حدود توصيل الرسالة. المشكلة فى هذه العلاقة تكمن فى أن الممثل يحظى بالشهرة والفلوس والمعجبات، ومثله تماماً المطرب أو المغنى، بينما قد نجد المخرج والملحن صاحبى الإبداع الأصلى منزويين فى الظل يقاسيان الإهمال وقد يقاسيان العَوَز أيضاً!، وربما أن المخرج يوسف شاهين كان الوحيد الذى لم يسمح لهذا الأمر أن يؤرقه فقد ألزم الممثلين حدودهم وتعامل معهم (رغم الذوق والكياسة) على أنهم مجرد أدوات فى يد المخرج مثل الإضاءة والديكور، فكان يكتب على الأفيش: فيلم ليوسف شاهين دون أن يمنح الممثلين ما اعتادوه من تلميع، وأحياناً كان لا يحفل حتى بإعطائهم السيناريو ليقرأوه باعتبار أنهم لن يفهموه!.
لكن ملحناً كبيراً مثل محمد الموجى شكا بشكل صريح من هذه المسألة فى برنامج تليفزيونى قديم مع المذيعة ليلى رستم، وقال إنه يشعر بانعدام الوفاء لدى المطربين والمطربات الذين صنعت ألحانه منهم نجوماً لكنهم لم يقابلوا هداياه لهم إلا بالجحود وكأنهم صاروا نجوماً بالجهد الذاتى، وقال إنه لم يتلق من أحد منهم طوال حياته حتى مجرد كارت معايدة يشكره فيه، ناهيك طبعاً عن التقدير المادى بعد أن صاروا مليونيرات بمساعدته. وفى هذا البرنامج الذى قُدم عام 68 أعلن الموجى أنه ينوى أن يحترف الغناء ويغنى أعماله بنفسه لأنه أوْلى بإبداعه بدلاً من بذله للجاحدين الذين يظنون أنفسهم آلهة، ولم ينس أن يصف المغنّى بأنه مجرد آلة فى يد الملحن، وهو أحد عناصر العمل وليس العنصر الأساسى فيه!.
نفس هذه المرارة شعر بها الملحن كمال الطويل فى نفس تلك الفترة، فقرر الانسحاب من الوسط الفنى بعد أن أعلن غضبه وقرفه من الجميع، وأنه لم يعد يسعده الانتساب لذلك الوسط. وبالفعل اتجه الطويل للأعمال التجارية وبعدها التحق بعالم السياسة فدخل حزب الوفد وصار عضواً بالبرلمان، ولم يعد للتلحين إلا بعد سنوات غاب فيها عن الساحة، وحتى بعد عودته كان مُقلاً وفاقداً للحماس القديم. أعتقد أن الاثنين، الموجى والطويل، شعرا بنفس الخذلان من المطربين فكان لكل منهما موقف مختلف عن الآخر.. الموجى لم يستطع أن يبتعد عن الفن لأنه يجرى فى دمه كما قال، بينما صمد الطويل وركل الفن بعدما وجد ظروفه غير عادلة مع فنانين جاحدين وجمهور يتصور أن «على قد الشوق» و«حبك نار» و«بحلم بيك» و«أهواك» هى ألحان خاصة بعبدالحليم حافظ لا كمال الطويل والموجى ومنير مراد وعبدالوهاب!. ويذكر التاريخ أن الموجى لم ينفذ تهديده بقصر ألحانه على نفسه، ولا أعرف هل السبب إدراكه لصعوبة المعترك، أو لأن رسالته قد وصلت للمعنيين فهدّأوا من غلوائهم وقللوا من التطاوس فى حضرته، ومنحوه حقوقه المادية؟.. على أى حال لقد ترفق الله بالموجى والطويل فلم يعيشا حتى يضطرا لصنع نجومية تامر وهيثم وحمادة ولؤى!.