بقلم أسامة غريب
لا أدرى كيف استطاع أبناء مصر من خريجى الجامعات والعمال والفلاحين الذين كانوا تحت السلاح فى 6 أكتوبر 73 أن يقهروا الهزيمة ويحققوا المستحيل؟.. كيف استطاعوا أن يفعلوا هذا بينما كان توقيت العبور وتفاصيله موضوعة على مكاتب قادة جيش العدو قبل بدء الحرب بيوم كامل؟ كيف أنقذ الله أبناء مصر من الجنود والضباط من أن ينقض عليهم الطيران الإسرائيلى قبل أن يتحركوا، وكيف لم تجد الطلائع الأولى من المشاة بسلاحهم الخفيف فرق العدو المدرعة تنتظرهم على الضفة الأخرى لتسحقهم قبل عبور المدرعات المصرية؟.. هذه حرب مستحيلة بالحسابات المجردة، خاصة بعد أن قام أشرف مروان بتبليغ مخابرات العدو بموعد الحرب وتفاصيل خطط مصر القتالية.
لقد كانت الأقاويل تتناثر طوال السنوات الماضية حول عمالة أشرف مروان لإسرائيل، لكن الكتاب الجديد الذى صدر باللغة العبرية وتمت ترجمته للإنجليزية باسم «الملاك»، تأليف خبير الاستخبارات الإسرائيلى أورى بار جوزيف، يحكى بالتفصيل قصة تجنيده عام 1970 عندما تواصل مع السفارة الإسرائيلية فى لندن وعرض عليهم العمل لصالحهم. يصف المؤلف أشرف مروان بأنه كان الجاسوس الأفضل على الإطلاق من بين الذين جندهم الموساد، ويضيف أن إسرائيل لم تكن العميل الوحيد لديه، بل كان يبيع خدماته أيضاً إلى المملكة العربية السعودية. يذكر الكتاب أن إسرائيل فى عام 1972 عرفت من مروان أن السادات يخطط لحرب محدودة تكسر الجمود لإدراكه استحالة الانتصار على إسرائيل وتحرير الأرض بالقوة. يعرض الكتاب تفاصيل مثيرة لاجتماعات الجاسوس، الذى أطلقوا عليه الاسم الحركى الملاك، مع رئيس الاستخبارات الإسرائيلية بنفسه، ومعروف أن رئيس الاستخبارات لا يجتمع بالجواسيس العاديين، إنما لقاءاته بالجاسوس المصرى تأتى بسبب أنه جاسوس على أعلى مستوى، قريب جداً من رئيس الجمهورية، يحضر اجتماعات الرئيس بالمسؤولين الأجانب والقادة العسكريين، وعلى اطلاع وافٍ بالأمور العسكرية وتفاصيلها، مثل شحنات السلاح ونوعه ومواعيد تسليمها والمدى الذى تحتاجه القوات لاستيعابها. فى يوم الخامس من أكتوبر 73 استدعى «الملاك» رئيس الموساد ليلقاه فى لندن، وهناك أخبره بأن المصريين والسوريين قد تأهبوا، وأن الحرب ستقع غداً.
ربما من رحمة ربنا بنا وبأبنائنا الصابرين أن الغطرسة الإسرائيلية كانت قد بلغت مداها فلم يصدقوا ما سمعوا ولم يكونوا فى إسرائيل على استعداد لاستدعاء الاحتياط بالكامل، ذلك أن هذا الإجراء يشل الحياة المدنية هناك تماماً. ورغم هذا فإن معلومات أشرف مروان التى استجابوا لها جزئياً وليس بشكل كامل قد أنقذتهم من فقدان الجولان وخففت من هول ما حدث لهم على يد المقاتلين المصرى والسورى. أما لماذا فعل مروان هذا وباع وطنه فيقول المؤلف إن المال كان جزءاً من القصة، حيث دفع الموساد لمروان ما يزيد على مليون دولار، ما ساعده على أن يصبح غنياً جداً، ثم يضيف: «الأنا» كانت جزءاً أيضاً، حيث شعر مروان بأنه اللاعب المحورى فى الصراع الأكثر خطورة فى العالم، فكان يتمتع بالتشويق فى كل شىء.
ما يستدعى التأمل، لو صح ما فى الكتاب، هو حال مصر مع رئيس يزوج ابنته لمروان، ورئيس آخر يتخذه سكرتيراً، ثم يجعله مسؤولاً عن الهيئة العربية للتصنيع.. الألطف أن كل رئيس منهما له ألتراس يتغنى بأمجاده التى كسّحت مصر قبل أن يفعل الإسرائيليون!.