بقلم : أسامة غريب
كتب كثير من الشعراء والأدباء عن الزهور والورود والمروج الخُضر، وقد مثلت الطبيعة، خاصة جانبها الزراعى، إلهاماً لا ينقضى على طول الزمان. وعلى قدر ما سمعت وقرأت أشعاراً وأغنيات عربية وأجنبية فى هذا الجانب لم أعرف أعذب ولا أروع من أغنية «زرع الشراقى» التى كتبها الشاعر فؤاد قاعود ولحنها الموسيقار سيد مكاوى. تشعر وأنت تقرأ كلماتها أو تستمع لها مغنّاة أنها صادرة من قلب مُحِب يجيد الاعتناء بمن يحب ولا يكتفى بتعديد محاسنه من بعيد. يقول قاعود: «اتقل فوق عيدانك واكبر يا زرع الشراقى.. ده صباحك منوّر يا أخضر والخير فى اللى ساقى».. هذه أمنية فلاح يقف فى الحقل منتشياً بزرعته داعياً لها بصباح منير، وهو فخور بنفسه أيضاً لأنه من زرعها. وزرع الشراقى هو مصطلح يعرفه الفلاحون الذين يميزون كل أنواع الأرض بتسمية مختلفة فهناك الأرض البكر والأرض البور والأرض الشراقى وهكذا. تتميز الأرض الشراقى بأنها تحتاج للرى بعد الحصاد مباشرة للحفاظ على خصوبتها. «يا صغيّر يا زرع إيديا أنا ساقى التقاوى غناوى.. وح أضمك برمش عينيا من كُتْر اشتياقى»، هذا وصف بديع لا مثيل لروعته إلا فى الآداب العظيمة.. إن وصف الزرع بالصغير يعنى أنه جميل بالضرورة، فها هو محمود درويش يقول فى إحدى قصائده: عندما كنت صغيراً وجميلاً كانت الوردة دارى والينابيع بحارى. كما أن ليدى ماكبث فى رائعة شكسبير تقول: إن كل العطور العربية لا تستطيع أن تطيّب هذه اليد الصغيرة. هذه السيدة فى ذروة تأنيب النفس لا تنسى أن تدلل يدها بوصفها بالصغيرة، كذلك فؤاد قاعود يتحدث إلى زرعه الصغير الذى غنَى لتقاويه وهو يغرسها وتعهد له أن يضمه برموش عينيه من فرط اشتياقه. «نوار الحنان خبيته من خوفى عليه بكفوفى.. والعود الجميل حبيته من يوم التلاقى»، والنوار الذى خبّأه بكفوفه هو الزهرة عند تفتحها، وكذلك العود الذى يحمل الزهرة قد وقع فى غرامه منذ البداية. «يا زرع الصباح يا منوّر محبوبى هواه مطلوبى.. وحاضمك لحد ما تكبر، على عهدك وباقى» لا يحتاج الكلام لشرح، فالشاعر أو الفلاح يتعهد لنبتته بالرعاية حتى تكبر. بقى أن نقول إن فؤاد قاعود هو واحد من أعظم شعراء العامية بيد أن معرفة الناس المحدودة به تعود إلى زهده وإيثاره الابتعاد عن الضوضاء، كما أنه لم يسع ليغنى له المطربون فلم يعرفه الجمهور كما عرف صلاح جاهين وسيد حجاب، ولم يكتب أوبريتات لحسنى مبارك مثلما فعل الأبنودى، فعاش ومات خافت الصوت عظيم الأشعار. أما عن اللحن البسيط الآسر لعم سيد مكاوى فإننى أدعو القراء لسماع هذه الأغنية وليحكموا بأنفسهم كيف استطاع هذا الرجل أن ينقل المعانى بعبقرية موسيقية مذهلة. ولا أنسى المجموعة التى غنت الأغنية ومنهم وفاء محمد مصطفى وصفاء يوسف لطفى وسناء البارونى اللاتى شكلن فرقة الثلاثى المرح، وقد ذاع صيتها فى الستينيات وتبناها على إسماعيل.
المصدر : صحيفة المصري اليوم