بقلم:أسامة غريب
أثناء إقامتى فى بلد عربى كنت أحيانًا أتفقد المعارض العقارية التى كانت تُقام بالفنادق الكبرى، ويقوم فيها العارضون بتقديم ما لديهم من شقق وفيلات وشاليهات وقطع أراضٍ. وكانت رحلة هؤلاء العارضين تشمل فى الغالب عدة دول خليجية بهدف البيع من بعض ما لديهم من ثروة عقارية مطروحة للبيع.
كانت بعض الشركات تلتزم الأمانة فيما تعرض، وبعضها تمارس مهارات التلاعب، فلا يتطابق ما تعرضه مع الواقع الفعلى، وقليل من الشركات كانت تمارس النصب الصريح، فتبيع الشقة الواحدة لأكثر من مشترٍ، وأحيانًا يتضح أن العقار غير مملوك لمَن باعه، أو أن العقار لا وجود له من الأساس!. وعقب كل معرض كنا نشهد منازعات شديدة بين مَن تعرضوا للنصب وبين السادة النصابين. فى بعض الحالات كان المظلوم الذى سرقوا شقاء عمره يتهور ويثأر بيده من النصاب عندما يعجز القانون عن إنصافه. كنت أسلى نفسى بالفرجة على العارضين ومحاولة فرز النصاب منهم بمجرد النظر، وكثيرًا ما كانت نظرتى فيهم تصيب. وقد لاحظت ذات مرة تزاحمًا عند أحد العارضين وكان يبيع قطع أراضٍ فى الساحل الشمالى فى منطقة مميزة للغاية.. وتأكيدًا للمصداقية كان يحمل معه صورًا للأوراق التى تؤكد ملكيته للأرض التى يبيعها ممهورة بكل أنواع الأختام. وما جعل التزاحم عليه يشتد هو الشروط الميسرة التى كان يبيع بها، إذ كان يكتفى بالحصول على مبلغ رمزى هو خمسون دولارًا كعربون، مع كتابة عقد ابتدائى، ثم ينتظر زيارة العميل له فى مكتبه بالقاهرة لجدولة باقى المبلغ على عدة سنوات.
زارنى هذا الشخص فى مكتبى قبل عودته إلى مصر بعد أن باع القطع كلها، وقد دخل علىَّ معاتبًا لتفويتى الفرصة وعدم حجز قطعة أرض، غير أنه أسرَّ لى بأن فى حوزته قطعتين لم يتصرف فيهما، إحداهما على البحر مباشرة وهو يريدها أن تكون من نصيبى. لم أدْرِ ما الذى حدث لى.. انفجرت فى عاصفة من الضحك فشلت فى السيطرة عليها، وكلما توقفت عاودت الضحك من جديد، وسط ذهول الرجل الذى بدا عليه الحرج والارتباك. سألنى: ممكن أفهم ما الذى يضحكك؟. قلت له: عبقريتك يا أستاذ.. عبقريتك هى التى تضحكنى، فأنت تختلف عن كل زملائك من الذين يقعون فى شر أعمالهم، إذ يحصلون من الزبون على مقدم لا يقل عن خمسة آلاف دولار، وعندما يكتشف الأخ أنه تعرض للنصب لا يتردد فى الذهاب إلى محامٍ ورفع قضية، بل لا يتردد بعضهم فى الاعتداء البدنى على النصاب.. أما أنت فلا تثير غضب أحد على الإطلاق.. أنت فنان وصاحب ستايل فريد.. إن أقصى ما يفعله شخص تعرض للنصب فى خمسين دولارًا هو أن يضحك مستهزئًا من نفسه، ثم يقرر نسيان الموضوع. هذا هو أقصى ما سيفعله، لكنه لن يذهب أبدًا إلى محامٍ أو يرفع قضية تكلفه الآلاف من أجل استرداد مبلغ بسيط.. هل عرفت لماذا أضحك أيها الفنان الموهوب؟!.