بقلم:أسامة غريب
فى أحد البرامج الإذاعية قال الشاعر حسين السيد إن صلاح جاهين ليس شاعرًا غنائيًّا لكن يمكن القول إنه شاعر اجتماعى. لم يعجبنى هذا الرأى لأنه يعنى أن الشعر إذا خلا من معانى الهجر والصد والحرمان ولم يمتلئ بكلمات مثل الضنا والسُهد والعذاب فإنه لا يصلح للغناء. ومع ذلك فإن حسين السيد واحد من أساطين الشعر الغنائى، وقد تفرد فيه بطرق وأساليب لم يُجارِه فيها أحد، ذلك لأن الأغنية بالنسبة له كانت دائمًا عبارة عن سيناريو يتضمن تصاعدًا دراميًّا حتى الذروة.
وهذه الطريقة فى الكتابة لم تقتصر على أغنيتى «ساكن قصادى» و«فاتت جنبنا»، وكانت كل منهما عبارة عن قصة قصيرة، وإنما نجد معظم أغانيه تحمل هذه السمات، فمثلًا أغنية جبار لعبدالحليم تحمل فى الكوبليه الأخير فيلمًا سينمائيًّا متكاملًا عن شخص تعرض للغدر فقرر أن يتعامل بالمثل وأن يخدع مَن تثق به وتمنحه حبها حتى يحقق انتقامه، لكن بعد أن يهدأ يقرر أن يعفو ويسامح ولا يسمح لما وقع فى حقه أن يُحيله إلى وحش. يقول شاعرنا الكبير: «قلبى قول للحب ابعد عن طريقى. أى حب جديد يا ويله من حريقى. لو ح اصادف قلب مخلص مش ح آمن له وأصونه. وإن ضحك فى عنيا ح اضحك وأخدعه ويمكن أخونه.
زى غيرنا ما باع نبيع عمر الهوى وعهده. زى قلبى ما ضاع تضيع كل القلوب بعده. ولا أقول لك لا يا قلبى، ليه نلوم ع الحب ليه؟. ده اللى خانك خان شباب الحب وجار عليه. يعنى أنا والحب وأنت كنا لعبة بين إيديه». نلاحظ هنا أن مثل هذه المطولات لا يقدر عليها غير حسين السيد، فبقية الشعراء يكتبون أبياتًا مختصرة، أما هو فيكتب قصة درامية فى الكوبليه الواحد. نموذج آخر لأغنية «ليالى الشوق» التى لحنها وغناها محمد فوزى.. يتحدث عن حيرة مَن يبحث عن الحب ولا يجده ثم يفكر فى الهجرة لعل نصيبه يكون فى مكان آخر خارج الديار: يقول «دوّرت عليك يا حب وأنا يوم عن يوم محروم. ومشيت من قلب لقلب ولا عمرى صادفتك يوم. ما فاضلش غير السفر، أطويه فى ليلة سهر.
يمكن ألاقيه وأعرف أراضيه. ومسير تيجى موجة تودينى. وإن تعب الموج ح امشى ع الموج. أيام وسنين بدموع عينى. له عندى نصيب وإن كان لى نصيب ح الاقيه فى الغيب مستنينى». حسين السيد يشبه فرسًا جامحًا يحتاج لسهول فسيحة يمرح فيها، أو مثل لاعب كرة تلزمه المساحات ليتألق وينطلق ويحرز الأهداف، عكس غيره ممن يجيد الترقيص فى نصف متر. ولا يجوز الحديث عن هذا الشاعر الموهوب دون أن نذكر أنه صاحب أول فيديو كليب عربى، وذلك فى أغنية «مين قال لك تسكن فى حارتنا» لشادية، والتى صورها التليفزيون عام 1960 وأُذيعت فى برنامج كان يقدمه حسين السيد نفسه اسمه «البيانو الأبيض». هذه مجرد نماذج، أما الحديث التفصيلى فانتظروه فى كتابى القادم: تأملات فى الفن والحياة.