بقلم - أسامة غريب
توقفت عن مشاهدة قنوات التليفزيون منذ سنوات، ومع ذلك فإننى أعرف أن الشهر الكريم يغرى صناع البرامج بعمل حلقات الكاميرا الخفية مع تعدد الأسماء التي يطلقونها على هذه البرامج.والأصل أنها على غرار برنامج الكاميرا الخفية الذي برعت فيه تليفزيونات الغرب ثم نقلناه عنهم، ولكن برامجنا للأسف أصبحت تفتقد الخفة والرشاقة والأفكار الطازجة التي تميز الأعمال الأجنبية.
لقد تم استهلاك وطحن كل الأفكار منذ أيام فؤاد المهندس الذي كان أول من قدم هذه النوعية في الثمانينيات، ثم تلاه إبراهيم نصر الذي ظل سنوات يقدم حلقات زكية زكريا. كنا نعرف أنها تمثيل وأن المقالب متفق عليها مع الضيف أو الزبون ومع ذلك كنا نضحك لخفة دم إبراهيم نصر.
لكن الآن بكل أسف يزدحم الفضاء في القنوات العربية بتنويعات مختلفة على التيمة الرئيسية لهذا النوع من البرامج التي هي خداع الضيف، وعمل تمثيلية غير حقيقية من حوله، ثم مفاجأته في النهاية بحقيقة المقلب الذي شربه.
لكن مشكلة برامج الكاميرا الخفية الآن أنها ملفقة، مدّعاة، ثقيلة وغليظة، وأصبحت تركز في غالبيتها على استضافة أحد الفنانين بدل رجل الشارع العادى، ولقد أصبح مفهومًا أن الضيف يعرف أنه سيتعرض للإهانة والسخرية والتنمر وقلة الأدب من جانب المذيع، وفى بعض البرامج من جمهور الاستديو وجمهور الشارع، وكذلك من زملائه الفنانين الذين يسجل لهم البرنامج فقرة في هجاء زميلهم والهزء به!.
بعض الفنانين يعترفون بحقيقة إدراكهم الفيلم الهندى الرخيص منذ البداية، لكن البعض الآخر يمارس الاستعباط ويدعى أن حلقته كانت تلقائية تمامًا، وهنا ينبغى لحضرة الفنان التلقائى أن يشرح للناس ما الذي جعله يحتمل جليطة المذيع وقلة ذوقه طوال مدة الحلقة، ما الذي جعله يصدّق أن كل المشاركين من الجمهور يكرهونه ويحملون له مشاعر القرف والازدراء، وما الذي جعله يصبر على هذا البلاء دون أن يسُب البرنامج وصانعيه ثم يلقى بالمايك في وجوههم قبل أن يترك الاستديو ويرحل؟. هل السبوبة أو المرمّة أو النحتاية (بلغة الفنانين) هي السبب؟، هل المبلغ المدفوع في الحلقة يجعل الكرامة تذوى والكبرياء يتلاشى؟.
إن الحقيقة في مثل هذه البرامج لن تخرج عن أحد أمرين: الأول أنهم كانوا يعلمون بالأمر منذ البداية وقد اتفقوا مع المعد والمخرج والمذيع على التمثيلية، وقبلوا أن يدلّسوا على الجمهور ويقدموا له برنامجًا فالصو.. والاحتمال الثانى هو أنه لا فكرة لديهم بالمرة عن المقلب، وأنهم دخلوا الاستديو بنية تنفيذ برنامج حقيقى، لكن سيتعين عليهم في هذه الحالة أن يعطونا تبريرًا لماذا احتملوا الإهانات التي وصلت في بعض الأحيان إلى الضرب على القفا؟.
لقد آن الأوان لهذه البرامج أن تتوقف وتأخذ هدنة في انتظار فنانين من نوعيات مختلفة، يجيئون مع أفكار طازجة عوضًا عن السماجة التي يُصرف عليها الملايين، وهو الأمر الذي جعل المشاهد نفسه يتحول بطول الإلحاح على عقله إلى شخص سخيف!.