بقلم: أسامة غريب
إنه لخبر طيب حقًا خبر استقالة بوريس جونسون، رئيس وزراء بريطانيا، وقد كان ينتمى لذلك الفصيل من الحكام اليمينيين الشعبويين من ذوى السلوك الشرير على نمط دونالد ترامب، ولعل العالم يصير فى غيابه أكثر أمانًا. لقد كان إنجازه الأكبر هو البريكست إذا جاز أن يعد هذا إنجازًا، لكنه فشل فى كل الملفات الأخرى.. وقد كان مثيرًا أنْ بدا جونسون أمام العالم كله متعجلًا لدمار أوكرانيا، ورافضًا أى حل سلمى ينهى مأساة الشعب الأوكرانى.
وقد لا يحزن على رحيله عن السلطة أحد قدر فلوديمير زيلينسكى الرئيس الأوكرانى الذى يعتبر نفسه تلميذًا لجونسون، وقد أطلق بالفعل تغريدة عاطفية يستدل منها على شعوره بالأسى على غياب شقيقه الأكبر الذى لم يبخل عليه بالدعم العسكرى والسياسى، مما ساعده على المضى فى الحرب قدمًا.. تلك الحرب التى أصر جونسون ويصر الرئيس الأمريكى بايدن على استمرارها حتى آخر جندى أوكرانى!. وقد اجتمعت عوامل عدة على الإطاحة برئيس الوزراء البريطانى، على رأسها فضيحة التحرش الخاصة بنائب رئيس حزب المحافظين السابق كريس بينشر، الذى قام بالتحرش الجنسى برجلين فى إحدى حانات لندن!.
وقد كشف تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية أن جونسون كان يعلم باتهام التحرش الموجه إلى بينشر قبل تعيينه نائبًا لرئيس الحزب.. سبب آخر من أسباب ضيق المجتمع البريطانى برئيس وزرائهم، هو ما يسمى فضيحة الحفلة التى أقامها فى المقر الرسمى لرئاسة الوزراء فى عيد ميلاده فى يونيو 2020، حيث لم يلتزم بالإغلاق الذى ألزم به الشعب البريطانى أثناء محاصرة فيروس كورونا.
وقد قامت الشرطة وقتها بإصدار 126 غرامة بحق 83 شخصًا من المدعوين فى الحفل، على رأسهم جونسون نفسه.. وقد أثارت هذه الواقعة سُخط الشعب، بالإضافة إلى مسؤولين فى حزب المحافظين.. وبالإضافة إلى هذا فإن التضخم وارتفاع الأسعار وزيادة الضرائب قد أزعجت قطاعات كبيرة فى المجتمع، رأت بوريس جونسون يصب الزيت على النار فى حرب أوكرانيا ولا يلقى بالًا إلى أن هذه الحرب قد أشعلت أسعار الوقود والمواد الغذائية فى البلاد.
وقد تحمِل هذه الاستقالة لرئيس الوزراء البريطانى أفكارًا ترِد على أذهان أبناء الأوطان التى لا تعرف ديمقراطية مماثلة للديمقراطية البريطانية، ولا آليات سريعة لتصحيح الأخطاء، ولا قدرة على مواجهة النفس، ولا ثقافة الاعتذار لدى المسؤولين وإفساح الطريق لمن يكمل المشوار، ولا يمكن إنكار أن العالم يدين للديمقراطية الغربية فى إحداث قدر من التوازن ضد الجنوح.. فإذا كان البريطانيون هم الذين أتوا بجونسون، فإنهم هم الذين أرغموه على الاستقالة.. وإذا كان الأمريكان هم الذين أتوا بترامب فهم أيضًا الذين أسقطوه وأقصوه عن الكرسى الرئاسى. ومع ذلك، فإننا نعلم أن هناك من الحكومات من ستتحدث عن استقالة جونسون باعتبارها سببًا فى ارتفاع الأسعار مثلما يعلقون الأمر فى رقبة الحرب فى أوكرانيا.