بقلم أسامة غريب
عندى حساسية من بعض الكلمات التى تتكرر كثيراً على الألسنة، ومنها كلمة الرموز، وهى كلمة يُقصد بها الشخصيات التى لا يجب انتقادها أو المساس بها، وذلك لقيمتها الكبيرة وعظم ما تقدمه للوطن.
ولو أن الخيار متروك لى لاخترت أن أحيا فى وطن لا توجد به رموز من أى نوع، وهناك مجتمعات فى عالم اليوم تحيا دون وجود رموز من التى نقصدها ونعنيها، فالرموز لا توجد إلا فى وطن مأزوم.. سواء الرموز العظيمة أو الرموز المنحطة. ولو كان الأمر بيدى لاخترت أن أُولد فى بلد مثل السويد أو بلجيكا أو كندا أو نيوزيلندا أو الدنمارك، حيث لا يعرف أحد خارجها اسم رئيس وزرائها أو وزير خارجيتها أو أى شخصيات متميزة بها، فحيثما تكن المساواة بين البشر ويكن الحق فى التعليم والعلاج والمسكن والعمل مكفولاً للجميع فلا نجد عادة فروقاً كبيرة بين البشر، ولا نجد شخصيات خارقة يمكن أن تسمى «رموزاً».
ومسألة أخرى على درجة كبيرة من الأهمية هى أن الرموز بفرض وجود بعض منها فى الخارج، فإن المساواة أمام القانون لا تجعل ممن يسميه الناس «رمزا» شخصا على رأسه ريشة، فلو أنه أخطأ أمام القانون فالعقاب سيكون فى انتظاره.. أما فى بلاد القهر والكبت والظلم البواح فإن المشاهير- وإن لم يصلوا لدرجة «الرموز»- لا يمكن محاسبتهم على أى أمر مما يُحاسَب عليه آحاد الناس، ولو كان جريمة!
ولعلنا نذكر قصيدة أحمد فؤاد نجم، وعنوانها «كلب الست»، ومن المعلوم أنه قصد بها أم كلثوم التى عض أحد كلابها مواطناً فقيراً، وبدلاً من مساءلتها تم حبس الولد الذى عضه الكلب ومزّق ملابسه!
حكاية أخرى تثبت أن الرموز عندنا لا يخضعون للقانون، هى قصة القتيلة التى سقطت من بلكونة الملحن بليغ حمدى فى الثمانينيات، وكان الرجل معروفاً باستضافته لشخصيات عديدة، وكان بيته مفتوحاً بالليل والنهار لزوار من كل صنف ولون، وفى إحدى الليالى عُثر على ضيفة مغربية كان «بليغ» يدربها على الغناء، عُثر عليها مقتولة فى المنور، بعد أن سقطت أو أسقطها أحدهم من فوق. وعلى الرغم من حبى للموسيقار بليغ حمدى واستحسانى لألحانه، إلا أن التعامل معه وقتها شابته المجاملة، إذ تم خروجه من البلاد وهو قيد المحاكمة حتى يفلت من العقاب، وبعد سفره تم الحكم عليه بالسجن، وظل بالخارج عدة سنوات حتى أعادوا محاكمته وقضوا ببراءته.
قد يقول قائل: وهل هذان الشخصان فقط مَن تمت مجاملتهما للإفلات من القانون، ذلك أن أصغر شاويش بوسعه الآن الإفلات مهما فعل؟ ولهؤلاء أقول إننى لا أتحدث عن أيامنا الحالية، لكنى أحكى عن أيام كانت معقولة وزمن كان يُوصَف بـ«الزمن الجميل»، وبالرغم من ذلك كان الفنان فوق القانون.. أما عن السياسيين والحكام أصحاب النفوذ فحَدِّث ولا حرج، ومن ذلك أن شمس بدران، أحد رموز هزيمة 67، كان يأتى بـ«عبدالوهاب» إلى بيته ليغنى ويلحن بالإكراه، مدفوعاً بالرعب، ومع ذلك فقد ملأ لشمس بدران أربعين شريطاً مازالت فى حوزته للآن!.