بقلم - أسامة غريب
منذ سنوات ثار حوار حول الأفلام المصرية ووجوب أن تنهض وزارة الثقافة بمهمة شرائها من أصحابها حتى لا تتسلل إلى الخارج، وذلك على أساس أن الفيلم المصرى ظل زمنًا طويلًا يربط المشاهد العربى بمصر التى كانت قنواتها تبث إلى جانب الأفلام البرامج والأغانى والمسرحيات، وفى أثناء ذلك تسللت مصر لتسكن وجدان كل عربى. طبعًا لم تستجب وزارة الثقافة أو غيرها من المؤسسات لتلك الدعوة، لكن شركات عربية هى التى تولت هذه المهمة. فى ذلك الوقت كنت أشعر بالحنق كلما شاهدت فيلمًا مصريًّا اشترته قناة عربية، وكان سبب هذا الشعور هو غضبى للتراث السينمائى المصرى وكنوزه الغالية، التى كانت مصر أَوْلَى برعايتها والحفاظ عليها.
الآن أستطيع أن أقول إننى لم أعد أشعر بالضيق الذى كنت عليه فى السابق.. بمرور الوقت تكونت عندى نظرة أخرى، هى نظرة مَن أصبح يحمد الله أن المسلة المصرية الموجودة فى ميدان الكونكورد بباريس قد وصلت إلى الفرنسيين، ولولا ذلك لكانت ملقاة فى أحد المخازن المهجورة لا يدرى الناس عنها شيئًا، ويحمد الله أيضًا على أن رأس نفرتيتى يقبع بالمتحف الجديد ببرلين بدلًا من وجوده بالمتحف المصرى، حيث كان يسهل سرقته بمنتهى البساطة، كما سُرقت لوحة زهرة الخشخاش، التى كانت معروضة بمتحف محمود خليل.. نفس الأمر بالنسبة للجناح المصرى بمتحف متروبوليتان بنيويورك ومثله المتحف البريطانى، الذى يضم عددًا هائلًا من قطع الآثار المصرية، ومتحف تورينو بإيطاليا، الذى يضم ثلاثة طوابق مصرية، غير متحف كامل بفيينا، علاوة على معبد مصرى بالعاصمة الإسبانية مدريد، أنقذه الإسبان من الغرق، ثم حملوه إلى بلادهم، غير المسلات الموجودة ببريطانيا وإيطاليا وتركيا والولايات المتحدة، وكل ما سلف عبارة عن آثار منهوبة أو مهداة من الحكام، لكنها تلقى أفضل عناية، وتقبع وسط بيئة تقدرها وتعرف قيمتها.
بنفس العين أصبحت أنظر إلى قنوات الأفلام التى تقتات على الإنتاج المصرى وتتعيش عليه، فلعل الأمر فيه بعض الخير، إذ إننا أصبحنا نشاهد أفلامًا مصرية لم يحدث أن شاهدناها أبدًا بالتليفزيون المصرى.. كنوز سينمائية قديمة من إنتاج الثلاثينيات والأربعينيات أُزيح عنها التراب، وأصبحت تُعرض من وقت لآخر، فرأينا جانبًا خفيًّا من إنتاجنا كان يمكن أن يظل مختفيًا لدى أصحابه من ورثة المنتجين القدامى، لولا أن اشتراه مَن يملكون المال، فحفظوه وحافظوا عليه وقاموا بترميم بعض أفلامه، التى كادت تبلى وتندثر إلى الأبد. ليس الأمر سيئًا جدًّا كما كنت أراه فى السابق، فمادمنا فى زمن تراجع ثقافى، فلا بأس أن نجد مَن ينهض عنّا ليحافظ على تراثنا ويقدمه فى صورة طيبة، ولا بأس أن يفوز ببعض الدعاية ويستفيد إعلاميًّا من وجود الكنز بين يديه، ذلك أن الدنيا «أخد وعطا»، وتلك الأيام نُداولها بين الناس.