بقلم - أسامة غريب
من بين فنانى الكوميديا المعروفين هناك نوع لم يكن عليه أبدا أن يتورط فى تمثيل أعمال كوميدية لافتقاده أبجدياتها وأولاها خفة الدم. على سبيل المثال الفنان الراحل محمد عوض كان ممثلا جيدا، لكن الكوميديا التى قضى عمره فيها لم تكن ملعبه، فى حين أن آخر أعماله وهو فيلم «آى آى» كان من أفضل ما قدم وهو عمل تراجيدى بامتياز. هناك أيضا الممثل والمخرج فايز حلاوة، قدم أعمالا كوميدية كثيرة مع تحية كاريوكا، وكان نصيبه من خفة الظل محدودا للغاية فى حين أن من أعماله غير الكوميدية ما تميز فيه كدوره فى فيلم حمام الملاطيلى. نفس الأمر ينطبق على ممثلين تخصصوا فى الكوميديا دون امتلاك أدواتها مثل هانى رمزى وسيد زيان ومحمد نجم وبدر الدين جمجوم ومظهر الخربوطلى ونبيل بدر وفاروق فلوكس..كل هؤلاء أجادوا وقدموا أدوارا طيبة عندما ابتعدوا عن الكوميديا. واليوم عندما أنظر للموجود على الساحة فإننى أصطدم بالكثير من الغلظة والثقل والتكلف فى أعمال يسمونها كوميدية، بينما أبطالها لا يصلحون حتى حواة فى سيرك!.
ولعل ما يجعل بعض الممثلين يوغلون فى تقديم الكوميدى وهم لا يمتلكون خفة الدم أنهم لم يعودوا يحتكمون للجمهور المصرى الذى يسهل عليه فرز الغث من السمين فى الكوميديا، وإنما صارت غايتهم جمهورا عربيا يحب مصر ويجامل فنانيها بصرف النظر عن قيمتهم أو جدارتهم!. وعلى الناحية الأخرى هناك فنانون معروفون بأدوارهم التراجيدية نجحوا بامتياز عندما قدموا الكوميدى لتمتعهم بخفة الدم الفطرية، منهم على سبيل المثال عبدالوارث عسر وله بالإذاعة تمثيليات تفيض بالخفة والظرف، أشهرها تمثيلية «الهاربة» مع تحية كاريوكا من تأليف عباس الأسوانى، وفى مجال الدراما الإذاعية أيضا لا يمكن أن أنسى عبدالبديع العربى الذى قدم مع تحية كاريوكا مسلسل «رزق الهبل» فتفوق على كوميديانات زمانه فى واحد من أفضل الأعمال الإذاعية. وطبيعى أن نتذكر يوسف وهبى، ملك التراجيديات والفواجع، عندما قدم بالسينما فيلم «إشاعة حب» وتنافس مع عبدالمنعم إبراهيم فى الخفة واللطافة ونشر البهجة، ثم أكمل السلسلة الفكاهية فى أعمال أخرى مثل «اعترافات زوج» مع هند رستم وشويكار وفؤاد المهندس وبعده فيلم «شنبو فى المصيدة». أحيانا لا يكون الفنان على دراية بقدراته الكوميدية لطول اعتياده الأدوار الجادة حتى يأتى مخرج مثل فطين عبدالوهاب فيستخرج منه طاقات تفاجئه هو شخصيا. وبطبيعة الحال لا يفوتنى الحديث عن محمود عبدالعزيز، ذلك الفتى الوسيم الذى قدم أدوار البطل الرومانسى، لكنه فى مرحلة من حياته الفنية أدرك قدراته الكوميدية وتعاون على إطلاقها من خلال مخرجين مثل رأفت الميهى وداوود عبدالسيد.
كثير من فنانى التراجيديا يستطيعون تقديم الكوميدى الراقى إذا تواجد كُتاب مثل أبوالسعود الإبيارى وبديع خيرى ومحمد أبويوسف وأحمد عبدالوهاب وعباس الأسوانى، لكن فى غياب مثل هؤلاء لا الفنان التراجيدى يقدم كوميديا ولا الفنان الكوميدى يقدم سوى السخافات الغليظة!.