بقلم - أسامة غريب
الأزمة التى يعانيها مجرم الحرب بنيامين نتنياهو أزمة حقيقية، إنْ فى المستوى السياسى أو العسكرى أو حتى على المستوى الشخصى. عشرات الآلاف من الضحايا الفلسطينيين لم يصل بهم نتنياهو لشىء من الأهداف التى أعلنها عقب «طوفان الأقصى»، فبعد ستة شهور من بدء مجزرة غزة لم يستطع تحرير أسير واحد من أيدى المقاومة. كل ما أنجزه هو دمار غير مسبوق ومجاعة فرضها على الفلسطينيين ومعاناة لم يعرف التاريخ لها مثيلًا بين المدنيين.
وأغلبهم من النساء والأطفال. من مظاهر أزمة رئيس الوزراء الإسرائيلى المظاهرات العارمة التى تطالب برحيله، وضغط الأهالى الذين أيقنوا أنه تخلى عن أبنائهم المأسورين ويريد تصفية قضيتهم بموتهم تباعًا جراء القصف الإسرائيلى، أو الجوع الذى يشاركون فيه أهل غزة. كذلك يواجه التمرد من جانب اليهود الحريديم الذين يرفضون الخدمة العسكرية.
فضلًا عن الانقسامات التى تعصف بحزبه وسط اتهامات متبادلة بالتقصير. ليس هذا فقط وإنما يشعر نتنياهو بتزايد ابتعاد الأوروبيين عنه بعد أن كان تأييدهم له مطلقًا، وكذلك تباين المواقف مع الداعم الأمريكى الذى يخشى عملية فى رفح ستكون عارًا أبديًا فى جبين الإنسانية. كل هذا يواجهه الرجل وسط اقتصاد يتداعى وعمليات تهجير للمستوطنين الذين ابتعدوا عن نيران حزب الله وانتقلوا لوسط إسرائيل وتركوا الشمال ينعق فيه البوم. ويمكننا أن ننظر لجريمة قصف القنصلية الإيرانية فى دمشق على أنها محاولة يريد بها نتنياهو جر إيران إلى المعركة مباشرة ليضمن تدخل الجيش الأمريكى لتحقيق الأهداف الإسرائيلية.
هى محاولة يسعى إليها بالضربات التى يوجهها كل يوم إلى الوجود الإيرانى فى سوريا، وهو يأمل أن تستجيب إيران للاستفزاز وتدخل المعركة ليقوم بتوسيع الصراع وخلط الأوراق. تستطيع إيران طبعًا أن تتلقى الكف تلو الكف من اليد الإسرائيلية كما اعتادت، ثم تتذرع بمقولة أن أحدًا لن يجرها لصراع لم تقرره، لكن المشكلة أن حجم العدوان والجريمة الإسرائيلية هذه المرة من النوع الذى لا يجوز السكوت عليه وإلا فقدت إيران مكانتها ورصيدها، ليس فقط لدى الميليشيات الحليفة فى سوريا والعراق ولبنان واليمن.
وإنما لدى الجمهور الواسع الذى يقرأ ويشاهد على مدى سنوات إنجازات عسكرية جديدة يزيح الإيرانيون عنها الستار طوال الوقت ما بين صواريخ وطائرات وسفن حربية وأقمار صناعية ويورانيوم يوشك أن يصير قنابل نووية. لا تستطيع إيران هذه المرة أن تصم الآذان عن صوت الجمهور المطالب بالثأر، ولا ينفعها أن ترد ردًا محدودًا من خلال أحد أذرعها فى المنطقة.
لكن الإشكال الإيرانى يكمن فى أن إسرائيل تنتظر على أحر من الجمر أى رد فعل عنيف، لترسل طائرات الشبح لقصف العمق الإيرانى، ولا ننسى أن إسرائيل منذ السابع من أكتوبر تقوم بتمثيل دور من أصيب بالجنون وبالتالى لا يمكن معاتبته أو مناقشته. الرد الإيرانى المتماثل الذى يحفظ سمعة طهران لابد وأن يكون فى إطار الجنون أيضًا، والإيرانيون لديهم القوة والقدرة.. لكن تُرى هل يقدرون على تبعات الجنون؟