بقلم - أسامة غريب
تثير مواقف الرئيس التركى أردوغان حيرة الذين تعوّدوا المواقف المنطقية الواضحة، سواء مع أو ضد، لكن الذين يتابعون مشوار صعود رئيس حزب العدالة والتنمية نحو السلطة منذ عشرين سنة لا يدهشهم تذبذب المواقف واتخاذ القرار ثم الرجوع عنه بسهولة.
مع بداية العدوان الإسرائيلى الحالى على غزة، كان أردوغان هادئًا في ردود أفعاله، وصدر عنه تصريح يوم 8 أكتوبر جاء فيه: إن تركيا تدعو جميع الأطراف إلى ضبط النفس والابتعاد عن الخطوات المتهورة التي ستسرع وتيرة الأحداث وذلك على ضوء الأحداث الأخيرة.
هذا التصريح الأردوغانى الفاتر استفز السيد داوود أوغلو، رئيس حزب المستقبل التركى، فقال: «إن هذه الرخاوة لا تتفق مع موقف أردوغان السابق بشأن دعم القضية الفلسطينية»، ومضى أوغلو متسائلًا: «ما الذي حدث؟.. لقد عملت مستشارًا لك لسبع سنوات، بكينا سويًا داخل الغرفة نفسها لأجل فلسطين.. حقًا، بكينا أثناء عدوان 2014، جُبنا المنطقة وبذلنا جهودًا لإحلال السلام، وتجولنا لمدة 10 أيام دون الحصول على أي قسط من الراحة حتى حققنا وقفًا لإطلاق النار».
ثم ختم أوغلو كلامه قائلًا: «لقد اقشعر بدنى أثناء سماعى كلمة أردوغان التي ساوى فيها بين الطرفين».. لكن مع تصاعد العدوان وتزايد وتيرة الوحشية، أخذت تصريحات أردوغان تزداد حدة في وجه إسرائيل، فوصف جيشها بالإرهابى، كما وصف مقاتلى حماس بالمناضلين لتحرير وطنهم.
وطبقًا للمتابعين للشأن التركى، فإن الرجل كان يريد أن يقوم بدور الوساطة، فلم يشأ أن يُغضب الإسرائيليين في البداية، ولكن عندما لم يُعره أحد اهتمامًا، انفجر سيل تصريحاته اللفظية ضد إسرائيل، وآخرها في المؤتمر الصحفى الذي عقده في برلين أثناء زيارته للعاصمة الألمانية والتقائه بالمستشار شولتز.
لقد كان موقفًا قويًا من الرئيس التركى ما قاله في وجود مضيفه الألمانى من أن تركيا ليست مدينة لإسرائيل حتى تتحمل إجرامها وتتغاضى عنه (فى إشارة إلى عقدة الذنب الألمانية)».
ومع قوة التصريحات التركية التي أثارت الصحافة الألمانية ضده، إلا أن داوود أوغلو كان له تعقيب عقلانى ومنطقى، قال فيه: «حديث الرئيس التركى خلال المؤتمر الصحفى مع شولتز عن أن تركيا ليست مدينة لإسرائيل هو حديث صحيح، وأنا أثنى عليه.
لكن عندما ننظر إلى الموقف العملى، أشعر بالخجل باسم وطنى وأمتى!.. إذا لم نكن مدينين لإسرائيل، فلماذا تستمر شحنات النفط من ميناء جيهان إلى إسرائيل؟ لماذا تستمرون في إرسال المواد الغذائية، الأسمنت والحديد والصلب، إلى إسرائيل؟ إذا ذهب من طرفنا الوقود الذي تستخدمه الطائرات المعتدية، وإذا ذهب من طرفنا طعام جنود إسرائيل، فعار عليكم، عار عليكم!».
من الممكن أن يكون هذا النقد تعبيرًا عن موقف مبدئى لأوغلو، ومن الممكن أن يكون الداعى إليه هو التشاحن الحزبى مع رفيقه السابق، ومع ذلك فقد يكون أردوغان صادقًا في عاطفته نحو فلسطين، لكنه لم يتخذ موقف عملى أحادى دون توافق عربى إسلامى جماعى، حتى لا يجد نفسه وحيدًا في مواجهة وحوش الغرب!.