بقلم - أسامة غريب
كانت الدولة العثمانية توزع الظلم على ولاياتها بالعدل والقسطاس. لكن يلاحظ أن بلدانًا مثل أرمينيا واليونان وقبرص وبلغاريا وصربيا ورومانيا وجورجيا وغيرها من البلاد التي حكمها الترك يمتلئ تاريخها المكتوب وتراثها الشعبى بحكايات عن العسف الذي تعرضوا له على أيدى الولاة العثمانيين، وتراهم لا يذكرون هذه الفترة من تاريخهم إلا بحسبانها فترة حالكة السواد نالوا فيها قهرًا وظلمًا وعرفوا شظف العيش وبؤس الحياة. ويمكن تلمس ذلك كله من خلال الأدب والفن الذي تنتجه تلك البلاد وكذلك من خلال المواقف السياسية التي تعكس غضبًا مازال ماثلًا حتى اليوم.
وليس أَدَلَّ على ذلك من العداء التاريخى بين الأرمن وتركيا، التي يتهمونها بارتكاب إبادة جماعية ضد الشعب الأرمينى في نهاية الحرب العالمية الأولى. الأمر نفسه نلحظه في التوتر الدائم بين اليونان وقبرص حيال الأتراك بصرف النظر عن نظام الحكم في أي من الدول الثلاث. كل هذا طبيعى ومفهوم لأن هناك مرارات تظل عالقة على مدى الأجيال، وحتى لو زالت المرارات فهناك التاريخ الذي يتوارثه الأبناء فتتكون لديهم على ضوئه مشاعر وآراء ومواقف.
لكن غير الطبيعى وغير المفهوم هو موقف أهل الشرق الأوسط من العرب والمسلمين الذين تعرضوا لنفس الاحتلال ونالوا الكثير من الإساءات بشكل يفوق ما لقيه الأوروبيون، الذين كان لهم أنصار في روسيا وأوروبا الغربية يسبغون عليهم الحماية ويضطرون الدولة العثمانية إلى وضع القمع في درجاته الدنيا. أما بالنسبة للمسلمين فلم يكن العثمانيون يتورعون عن النهب الصارخ واستخدام الكرباج والوضع على الخازوق ضد مَن يعتبرونهم مخالفين!..
ورغم كل هذا فإننا نجد في بلادنا أنصارًا بعشرات الملايين لدولة الخلافة العثمانية، وهؤلاء يودون لو استطاع أردوغان أن يعيد نفس الدولة ليكونوا رعايا له. ويتناسون التاريخ الرهيب للاحتلال الذي دام خمسة قرون وفرض على البلاد الفقر والجهل والتكلس، حتى إن المطبعة لم نعرفها إلا مع قدوم الاحتلال الفرنسى عام 1798.
والحقيقة أنه ليس هناك من سبب لهذا الموقف المازوخى إلا لكون العثمانيين مسلمين!. يقبل الكثيرون في ديارنا المستعمر ويرحبون به مهما فسق وظلم مادام مسلمًا، ولهذا تجد الأرمن على سبيل المثال يذكرون حديث المذبحة ويجعلونه حيًّا في الأذهان عامًا بعد عام، بينما لا نجد أحدًا يتحدث عن مذبحة سليم الأول ضد أهل القاهرة، بعد أن غزاها عندما قتل في يوم واحد عشرة آلاف من المدنيين العزل ليوقع الرعب في أهل البلاد. وقد أسهم رجال الدين بنصيب وافر من أجل ترويج هذا الفكر، الذي يتسامح مع الغزاة ويتناسى جرائمهم، بل يدعو الناس إلى الدخول في طاعتهم ماداموا مسلمين. ومن المضحك أن هناك من أهلنا مَن يتحدث بفرح الآن عن انتصار أذربيجان في حربها ضد الأرمن، ومَن تنتابهم نفس مشاعر التعاطف مع ألبان كوسوفو المسلمين في مواجهتهم ضد صربيا، متجاهلين أن كوسوفو قد اعترفت بالقدس عاصمة لإسرائيل وأن أذربيجان هي أكثر الدول تعاونًا مع الدولة العبرية!.