توقيت القاهرة المحلي 23:50:18 آخر تحديث
  مصر اليوم -

البراح الإنساني

  مصر اليوم -

البراح الإنساني

بقلم - أسامة غريب

الحياة في المدن المزدحمة لا تمنح الإنسان سوى القلق والغثيان.. وقد فهم الحكماء أن هناك حيزًا يحتاجه الإنسان ومساحة من البراح لا غنى عنها ليستطيع الفرد فيها أن يمارس إنسانيته دون تطفل من الرؤوس التي تطل عليه بينما يمارس حياته. وأعتقد أن افتقاد هذه المساحة هو أحد أسباب تعاسة البشر في كل زمان ومكان. وربما كانت الحياة في الريف، حيث الحقول والخضرة الممتدة، جالبة للسكينة لمَن افترسته حياة المدن، وعصف الضجيج بأعصابه، كذلك الاستقرار بالأماكن الساحلية المُطِلّة على البحر يمنح الخيال فرصة للانطلاق بلا حدود، لكن مع ذلك لا الريف ولا البحر في بلادنا يكفيان ليمنحا شخصًا الحق في أن يجلس وحيدًا إذا شاء، دون أن ينْقَضَّ عليه قريب أو زميل من أجل الدردشة بدون مناسبة عن أدَقّ تفاصيل حياته، التي اطّلع عليها من جيرانه وزملائه في العمل!.

وفى الحقيقة ليس أصعب على الإنسان من مواجهة أنفاس الآخرين طوال يومه في الشوارع المزدحمة والمكاتب الضيقة والباصات الخانقة، وما أتعس مَن يعجز عن الحديث إلى صديق، دون أن يضطر إلى الهمس حتى لا يسمع الجميع حديثه. وفى هذا الشأن يمكن النظر إلى أولئك الذين يعيشون في الأماكن العشوائية ذات المساكن المتلاصقة، التي تفصل بينها وبين بعضها سنتيمترات، على أنها الجحيم بعينه، خاصة أنه في بعض الأحيان تكون ستارة من قماش هي ما يصنع الحدود بين مساحة الواحد منهم ومساحة جاره!. ومن الطبيعى أن حقًّا أساسيًّا تنص عليه الدساتير جميعًا يكون معطلًا في ظروف كهذه، وهو الحق في الخصوصية.. وأى خصوصية يمكن أن تتوفر عندما يخدم حمام واحد عشرات العائلات؟!.

وليس الحيز المطلوب للسلامة النفسية هو الحيز المادى فقط، لكن يحتاج الإنسان أيضًا، حتى في الأماكن المتسعة، إلى قدر معقول من الخصوصية. صحيح أن الإنسان حيوان اجتماعى لا يستطيع أن يسعد بدون وجود الناس في حياته، لكن هذا الوجود لا ينبغى أن يصل إلى درجة الاقتحام، الذي يُضيق الخناق على الناس، ويحرمهم السعادة، حتى لو كانوا يعيشون في قصور. غير أن المبالغة في احترام الخصوصية في المجتمعات، التي قطعت أشواطًا بعيدة على صعيد حقوق الإنسان، قد جعلت الناس في أحيان كثيرة يدفعون ثمن هذه الحقوق من الشعور بالوحدة والانزواء، وهو ما قد يدفع أحيانًا إلى الانتحار.. وقد شهدت بنفسى في بعض عواصم الغرب مقاهى ومنتديات مفتوحة لتشجيع الناس على التعارف وتكوين الصداقات، بعد أن ابتعد الناس عن بعضهم سعيًا للحفاظ على المسافة الإنسانية المفترضة واللازمة. وربما أن هذا الصقيع النفسى هو ما يؤدى إلى أن بعضهم عندما يزور بلادنا ينبهر، ويحسد الناس على الحميمية والقرب، الذي يصل أحيانًا إلى درجة أن يركب خمسة أفراد على موتوسيكل، بينما لا يستطيع الواحد في بلادهم أن يلمس جاره، مهما كان المترو مزدحمًا!.

ومع ذلك تظل المساحة والحيز المناسبان شرطًا ضروريًّا للسعادة، إلى جانب أشياء أخرى.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

البراح الإنساني البراح الإنساني



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

ياسمين صبري بإطلالات أنيقة كررت فيها لمساتها الجمالية

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 19:23 2024 الخميس ,19 أيلول / سبتمبر

5 مدن ساحلية في إيطاليا لمحبي الهدوء والإسترخاء
  مصر اليوم - 5 مدن ساحلية في إيطاليا لمحبي الهدوء والإسترخاء

GMT 10:15 2024 الخميس ,19 أيلول / سبتمبر

أفكار لتزيين واجهة المنزل المودرن والكلاسيكي
  مصر اليوم - أفكار لتزيين واجهة المنزل المودرن والكلاسيكي

GMT 07:24 2024 الخميس ,19 أيلول / سبتمبر

دراسة توضح علاقة القهوة بأمراض القلب
  مصر اليوم - دراسة توضح علاقة القهوة بأمراض القلب

GMT 23:46 2024 الخميس ,19 أيلول / سبتمبر

انتعاشة فنية لـ حنان مطاوع بـ 3 مسلسلات وفيلم
  مصر اليوم - انتعاشة فنية لـ حنان مطاوع بـ 3 مسلسلات وفيلم

GMT 10:57 2020 الإثنين ,07 كانون الأول / ديسمبر

فوائد لا تصدق لقشور جوز الصنوبر

GMT 08:53 2020 الثلاثاء ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

إصابة زوجة محمد صلاح بفيروس كورونا

GMT 08:15 2020 الأربعاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

"حبيب نورمحمدوف" إنجازات رياضية استثنائية وإرث مثير للجدل

GMT 08:45 2020 الإثنين ,19 تشرين الأول / أكتوبر

القصة الكاملة لمرض الإعلامية بسمة وهبة الغامض

GMT 07:16 2020 الإثنين ,19 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الدواجن في مصر اليوم الإثنين 19 تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 09:50 2020 السبت ,10 تشرين الأول / أكتوبر

شقيقان بالإسكندرية يعانيان من مرض جلدى نادر

GMT 23:35 2020 الأربعاء ,16 أيلول / سبتمبر

بورصة تونس تقفل التعاملات على تراجع

GMT 01:08 2020 الأحد ,19 تموز / يوليو

طريقة عمل الشكشوكة التونسية

GMT 22:12 2020 الأحد ,21 حزيران / يونيو

أستون فيلا ينهار في ١١٤ ثانية أمام تشيلسي

GMT 23:30 2020 الجمعة ,05 حزيران / يونيو

السودان تسجل 215 إصابة جديدة بفيروس كورونا
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon