بقلم أسامة غريب
يعيش الفرد عادة فى أسرة، والأسرة بدورها تحيا وسط مجتمع، وقد ينشأ النزاع من فكرة أن ما يتعلمه الفرد داخل الأسرة لا يكون متطابقاً دائماً مع ما يراه ويكتسبه من ممارسة الحياة الواقعية فى المجتمع. من المهم أنك إذا ربيت الأولاد على الصدق والأمانة أن يكون المجتمع داعماً لهذه القيم والأفكار، ومبرهناً للأبناء على أن الأهل ليسوا أناساً مجانين يعيشون فى كوكب آخر ويحملون أفكاراً بالية تودى بمن يتمسك بها. وليس جديداً القول إن المجتمعات المتقدمة تساعد على خلق الإنسان المحترم الذى لا يحتاج للكذب والغش والخداع من أجل البقاء على قيد الحياة.. طبعاً المنحرفون موجودون فى كل مكان وزمان، لكن الحديث هنا عن الكذابين والغشاشين والمتحرشين كأقلية منحرفة وليس باعتبارهم يمثلون المكوّن الرئيسى لأبناء شعب بعينه!. ويلاحظ فى هذا الشأن الأثر المحدود للدين فى تحسين سلوك الناس على العكس مما هو شائع، بمعنى أن المجتمعات التى تزداد بها مظاهر التدين، كالالتزام بلباس معين والإكثار من العبادات والتوجه للمزارات الدينية.. كل هذا أثره محدود فى سلوك الناس وأخلاقهم.. طبعاً لا أقصد أن من يصلون ويصومون ويلتزمون بشعائر الدين وطقوسه هم الأكثر فساداً، وإنما أقصد أن عوامل أخرى أكثر أهمية هى التى تتحكم فى مستوى الأخلاق والسلوك، مثل اليسار المادى والبيئة السمحة وتداول السلطة السياسية وغياب الفجوة بين البيت والشارع.. فإذا توافر هذا لأناس يصلون ويحجون ويعتمرون كانت أخلاقهم جيدة وسلوكهم طيباً، أما إذا غابت هذه الأشياء فإن العبادات لن تستطيع أن تغير كثيراً من طبيعة هؤلاء الذين يشجعهم المجتمع على النفاق والذين لا يأمنون على غدهم ولا يضمنون لقمة عيشهم ولا يعرفون متى يداهمهم البوليس ليسجنهم بدون تهمة!. وفى هذا الشأن لا أستطيع أن أخفى دهشتى من الذين مازالوا يتحدثون باستغراب عن فلان الذى يصلى وفى نفس الوقت يكذب، أو علان الذى يحج كل سنة لكنه لا يتورع عن أكل مال الناس.. ومصدر الدهشة هو إدراكى أن الأخلاق الطيبة لا علاقة لها بإسلام المرء أو مسيحيته، بوذيته أو كونفوشيته، يهوديته أو إلحاده.. لكن أكثر الناس لا يعلمون!.
وأستطيع فى هذا الشأن أن أقول إن هذه القضية، قضية تربية الأبناء وغرس الفضيلة فيهم منذ الصغر، لا تشغل فى العادة سوى الطبقة المتوسطة التى تعانى على الدوام، والتى تكتوى بالفساد الذى ينمو خارج البيت ولا تستطيع له دفعاً. تعانى هذه الطبقة إلى الدرجة التى تجعل البعض يتمنى لو استطاع أن يربى الأبناء على الغش والخداع حتى ينشأوا ومعهم أسلحة مناسبة للتعامل مع الحياة.. ولكن حتى لو كانت هذه أمنيتهم فمن ذا الذى يستطيع أن يُدخلها حيز التنفيذ؟ خاصة وهم يرون أبناء الطبقات الدنيا يحلمون بأن تكون لهم أخلاق ومبادئ وحياة الطبقة الوسطى. على أى الأحوال نحن لا نبعد كثيراً عن مرحلة السحق التام للطبقة الوسطى، ومن كان يحسد الذين ينشأون على الرذيلة لمواجهة الحياة ستتحقق أحلامه قريباً بعدما يفقد مدخراته وعمله ويصبح مواطناً عشوائياً ممن تسعى دولتنا لرفع المعاناة عنهم!