توقيت القاهرة المحلي 20:07:56 آخر تحديث
  مصر اليوم -

حياة تافهة

  مصر اليوم -

حياة تافهة

بقلم - أسامة غريب

إذا تابعت جماعة من الناس تجلس معًا، ستجدهم فى الغالب يتحدثون جميعًا فى نفس الوقت ولا أحد منهم يستمع إلى أحد!. هم ليسوا مجانين ولا سفهاء، لكنهم محرومون من الكلام، والحياة تفرض عليهم معظم الوقت أن يجلسوا فى حضرة من يتحدث وحده ولا يسمح لهم بالكلام، سواء كان صاحب نفوذ وثراء من النوع الذى يجلس يحيط به حواريون يقومون فى حضرته بحرق البخور والثناء على كل ما يخرج من فمه وكأنه اللؤلؤ المنثور.

وتزداد المشكلة إذا كان الباشا صاحب النفوذ أو حتى المدير فى العمل من الذين تستبد بهم شهوة الكلام بعدما أيقن أن السمّيعة كُثرُ، وحتى لو كان حضرة الكوماندا المهم رجلًا طيبًا غير متجبر وغير مؤذٍ، فإن الجمهور الجالس معه سيتحرج من تصحيح كلامه والاعتراض على آرائه الفارغة، لكن سيجلسون فى حضرته صامتين يستمعون إلى تنظير فى السياسة والفن والثقافة والرياضة.

وربما أن هذا أحد الأسباب الأساسية فى الاكتئاب الذى يصيب كبار الموظفين بعد خروجهم إلى المعاش، ذلك أنهم يفتقدون السمّيعة والصهبجية، وإذا ما أبدوا آراءً فى أى شأن بعدما فقدوا الوظيفة جوبهوا بالاستنكار والتوبيخ وكأنهم لم يكونوا إلى وقت قريب فلاسفة كبارا لهم حكمة أرسطو وبلاغة المتنبى!. ولأن الأنفار الذين يتعرضون طوال الوقت لتجربة الجلوس الصامت المسموح لهم فقط بالنفاق لا يريدون أن يمرضوا ويكتئبوا.

فإنهم ما إن يبتعدوا عن المديرين أصحاب المراكز والباشوات أصحاب النفوذ ويخلو الواحد منهم إلى قرنائه وأصدقائه حتى تنطلق منه نافورة كلام، فى الوقت الذى يفعل فيه الآخرون الأمر نفسه.. كبت وحرمان من الكلام يعبّر عن نفسه فى صورة انفلات ورغى وتنكيت وصخب وهرج يؤديه الجالسون فى نفس الوقت، فلا أحد يسمع أحدًا ولا أحد يصغى أو يعتبر بما يحكيه الآخرون!.

ولقد جلست شخصيًا فى جلسات من هذا النوع مع رفاق كانوا يقضون السهرة على القهوة لعدة ساعات وكلهم يتكلمون فى مواضيع مختلفة فى نفس الوقت دون أن يكون لأحد منهم مستمع واحد!.. يفعلون هذا بعد أن ينصرف المدير الذى كان يجلس معهم منذ قليل، بعد أن احتكر الرغى وحده لساعات قام خلالها بتعليمهم فنون الأكل والشرب والإتيكيت، وأعطاهم محاضرات فى التاريخ والاجتماع والاقتصاد.

وروى لهم عن علاقاته ومغامراته النسائية، وعدّد لهم أنواع وأصناف النساء وكيفية التعامل مع كل نوع.. كل هذا وهو مجرد رجل غلبان بلا خبرة أو دراية أو ثقافة.. وبهذا فإن حياة الناس تنقسم إلى قسمين: وقت طويل يقومون فيه بدور المتلقى، ووقت آخر هو الذى يتحررون فيه ويجلسون بعيدًا عنه، وهو الوقت الذى تنفجر فيه ماسورة الكلام لديهم جميعًا فى نفس الوقت.

والخلاصة؛ أن الحياة تمضى بالناس فى فصول تحفل بالكلام الفارغ وتخلو من الحكمة والتأمل والكلام الموزون.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حياة تافهة حياة تافهة



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 10:52 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
  مصر اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 16:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
  مصر اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 10:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية
  مصر اليوم - واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية

GMT 09:18 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يفتح آفاقا جديدة في علاج سرطان البنكرياس

GMT 08:28 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

غوتيريش يدعو مجموعة العشرين لبذل جهود قيادية لإنجاح كوب 29

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 01:54 2018 الأحد ,07 تشرين الأول / أكتوبر

أغنياء المدينة ومدارس الفقراء

GMT 09:59 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

نجوى كرم بإطلالات استثنائية وتنسيقات مبهرة في "Arabs Got Talent"

GMT 10:29 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

شريف مدكور يُعلن إصابته بفيروس يُصيب المناعة

GMT 12:37 2019 الأحد ,20 كانون الثاني / يناير

طبيب الأهلي يعلن جاهزية الثلاثي المصاب للمباريات
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon