توقيت القاهرة المحلي 23:57:43 آخر تحديث
  مصر اليوم -

حياة تافهة

  مصر اليوم -

حياة تافهة

بقلم - أسامة غريب

إذا تابعت جماعة من الناس تجلس معًا، ستجدهم فى الغالب يتحدثون جميعًا فى نفس الوقت ولا أحد منهم يستمع إلى أحد!. هم ليسوا مجانين ولا سفهاء، لكنهم محرومون من الكلام، والحياة تفرض عليهم معظم الوقت أن يجلسوا فى حضرة من يتحدث وحده ولا يسمح لهم بالكلام، سواء كان صاحب نفوذ وثراء من النوع الذى يجلس يحيط به حواريون يقومون فى حضرته بحرق البخور والثناء على كل ما يخرج من فمه وكأنه اللؤلؤ المنثور.

وتزداد المشكلة إذا كان الباشا صاحب النفوذ أو حتى المدير فى العمل من الذين تستبد بهم شهوة الكلام بعدما أيقن أن السمّيعة كُثرُ، وحتى لو كان حضرة الكوماندا المهم رجلًا طيبًا غير متجبر وغير مؤذٍ، فإن الجمهور الجالس معه سيتحرج من تصحيح كلامه والاعتراض على آرائه الفارغة، لكن سيجلسون فى حضرته صامتين يستمعون إلى تنظير فى السياسة والفن والثقافة والرياضة.

وربما أن هذا أحد الأسباب الأساسية فى الاكتئاب الذى يصيب كبار الموظفين بعد خروجهم إلى المعاش، ذلك أنهم يفتقدون السمّيعة والصهبجية، وإذا ما أبدوا آراءً فى أى شأن بعدما فقدوا الوظيفة جوبهوا بالاستنكار والتوبيخ وكأنهم لم يكونوا إلى وقت قريب فلاسفة كبارا لهم حكمة أرسطو وبلاغة المتنبى!. ولأن الأنفار الذين يتعرضون طوال الوقت لتجربة الجلوس الصامت المسموح لهم فقط بالنفاق لا يريدون أن يمرضوا ويكتئبوا.

فإنهم ما إن يبتعدوا عن المديرين أصحاب المراكز والباشوات أصحاب النفوذ ويخلو الواحد منهم إلى قرنائه وأصدقائه حتى تنطلق منه نافورة كلام، فى الوقت الذى يفعل فيه الآخرون الأمر نفسه.. كبت وحرمان من الكلام يعبّر عن نفسه فى صورة انفلات ورغى وتنكيت وصخب وهرج يؤديه الجالسون فى نفس الوقت، فلا أحد يسمع أحدًا ولا أحد يصغى أو يعتبر بما يحكيه الآخرون!.

ولقد جلست شخصيًا فى جلسات من هذا النوع مع رفاق كانوا يقضون السهرة على القهوة لعدة ساعات وكلهم يتكلمون فى مواضيع مختلفة فى نفس الوقت دون أن يكون لأحد منهم مستمع واحد!.. يفعلون هذا بعد أن ينصرف المدير الذى كان يجلس معهم منذ قليل، بعد أن احتكر الرغى وحده لساعات قام خلالها بتعليمهم فنون الأكل والشرب والإتيكيت، وأعطاهم محاضرات فى التاريخ والاجتماع والاقتصاد.

وروى لهم عن علاقاته ومغامراته النسائية، وعدّد لهم أنواع وأصناف النساء وكيفية التعامل مع كل نوع.. كل هذا وهو مجرد رجل غلبان بلا خبرة أو دراية أو ثقافة.. وبهذا فإن حياة الناس تنقسم إلى قسمين: وقت طويل يقومون فيه بدور المتلقى، ووقت آخر هو الذى يتحررون فيه ويجلسون بعيدًا عنه، وهو الوقت الذى تنفجر فيه ماسورة الكلام لديهم جميعًا فى نفس الوقت.

والخلاصة؛ أن الحياة تمضى بالناس فى فصول تحفل بالكلام الفارغ وتخلو من الحكمة والتأمل والكلام الموزون.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حياة تافهة حياة تافهة



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

ياسمين صبري بإطلالات أنيقة كررت فيها لمساتها الجمالية

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 19:23 2024 الخميس ,19 أيلول / سبتمبر

5 مدن ساحلية في إيطاليا لمحبي الهدوء والإسترخاء
  مصر اليوم - 5 مدن ساحلية في إيطاليا لمحبي الهدوء والإسترخاء

GMT 10:15 2024 الخميس ,19 أيلول / سبتمبر

أفكار لتزيين واجهة المنزل المودرن والكلاسيكي
  مصر اليوم - أفكار لتزيين واجهة المنزل المودرن والكلاسيكي

GMT 07:24 2024 الخميس ,19 أيلول / سبتمبر

دراسة توضح علاقة القهوة بأمراض القلب
  مصر اليوم - دراسة توضح علاقة القهوة بأمراض القلب

GMT 23:46 2024 الخميس ,19 أيلول / سبتمبر

انتعاشة فنية لـ حنان مطاوع بـ 3 مسلسلات وفيلم
  مصر اليوم - انتعاشة فنية لـ حنان مطاوع بـ 3 مسلسلات وفيلم

GMT 10:57 2020 الإثنين ,07 كانون الأول / ديسمبر

فوائد لا تصدق لقشور جوز الصنوبر

GMT 08:53 2020 الثلاثاء ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

إصابة زوجة محمد صلاح بفيروس كورونا

GMT 08:15 2020 الأربعاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

"حبيب نورمحمدوف" إنجازات رياضية استثنائية وإرث مثير للجدل

GMT 08:45 2020 الإثنين ,19 تشرين الأول / أكتوبر

القصة الكاملة لمرض الإعلامية بسمة وهبة الغامض

GMT 07:16 2020 الإثنين ,19 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الدواجن في مصر اليوم الإثنين 19 تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 09:50 2020 السبت ,10 تشرين الأول / أكتوبر

شقيقان بالإسكندرية يعانيان من مرض جلدى نادر

GMT 23:35 2020 الأربعاء ,16 أيلول / سبتمبر

بورصة تونس تقفل التعاملات على تراجع

GMT 01:08 2020 الأحد ,19 تموز / يوليو

طريقة عمل الشكشوكة التونسية

GMT 22:12 2020 الأحد ,21 حزيران / يونيو

أستون فيلا ينهار في ١١٤ ثانية أمام تشيلسي

GMT 23:30 2020 الجمعة ,05 حزيران / يونيو

السودان تسجل 215 إصابة جديدة بفيروس كورونا
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon