بقلم أسامة غريب
شىء لافت لاحظت تكراره عند كل مرة أكون فيها بصدد شراء سلعة ما سواء كانت أثاثا أو سجادا أو أدوات مكتبية أو كهربائية أو صحية أو أى شىء يخطر على البال. لاحظت أن المحل لا يعطيك فاتورة بالمبلغ الذى دفعته!.. المحال فى كل بلاد الدنيا تعطى للمشترى فاتورة تتضمن اسم السلعة ومواصفاتها والسعر المدفوع فيها، وبمقتضى هذه الفاتورة يستطيع الزبون أن يستبدل السلعة أو يقوم بإرجاعها ويحصل على فلوسه. أما هنا فإنهم عوضاً عن الفاتورة الطبيعية يقدمون للزبون ورقة مطبوعة بها اسم المحل وتفصيلات السلعة، لكن تعلوها جملة عجيبة من الواضح أن التجار اتفقوا أو توافقوا عليها ووجدوا أنها تحقق لهم المراد. هذه الجملة تقول: «المطلوب من السيد فلان مبلغ كذا..»، ويقوم البائع بكتابة اسم المشترى، ثم يطوى الورقة ويقدمها للزبون مع ابتسامة وداع!. المسخرة فى هذه الورقة أنها لا تعنى أن الزبون دفع المبلغ وأن المحل تلقاه، لكنها تعنى بوضوح أن هذا المبلغ مطلوب من الزبون، وبطبيعة الحال لا يستطيع المشترى أن يستبدل أو يرجع السلعة، كما لا يستطيع أن ينازع التاجر بالقانون، لأن الورقة التى فى حوزته لا تثبت سوى أنه مدين للمحل!.
عندما استفسرت عن سبب هذه الورقة المضروبة الخالية من المعنى قام أولاد الحلال بتوضيح الأمر على أنه محاولة ذكية للتهرب من الضرائب ابتدعها التجار الذين لا يرون داعياً لسداد ضرائب لحكومة لا تقدم لهم خدمات. كدت ألتمس للتجار بعض العذر لولا أننى كنت بصدد شراء بعض الأشياء من محل شهير بشارع عباس العقاد بمدينة نصر، وبعد سداد الثمن فوجئت بالبائع المهذب يطلب منى الاسم كاملاً ورقم التليفون، ثم بعد أن قام بتدوين البيانات طلب منى التوقيع على الورقة. سألته فى دهشة: علام تريدنى أن أوقع؟ قال: أريد توقيع سيادتك على أنك تسلمت السلع المكتوبة فى الفاتورة. قلت وقد استبدت بى الدهشة: هل هذه طريقة جديدة للبيع والشراء؟ منذ متى يقوم الزبون الذى يدفع ثمن أشيائه نقداً بالتوقيع بالتسلم؟.. الطبيعى أن أعطيك الفلوس وأحصل على سلعتى مع الفاتورة وأرحل، وكان يمكن أن أفهم مسألة التوقيع بالتسلم لو أنك تقوم بتوصيل السلعة إلى المنزل «ديليفرى».. ثم إن هذه الورقة التى قمت لتوك بملئها من أصل وصورتين ليست فاتورة دالة على السداد، وإنما هى ورقة سخيفة مكتوب بها: المبلغ المطلوب من السيد فلان هو كذا.. وتوقيعى على هذه الورقة بصيغتها الشيطانية هذه تعنى أننى أقر بعدة أشياء: أولاً بأننى تسلمت السلعة الموضحة، وثانياً بأننى لم أدفع لكم مقابل ما أخذت، ولكن مطلوب منى سداد هذا المبلغ!. ارتبك البائع وقال إن كل الناس تقبل هذه الورقة دون نقاش، ثم نادى على مديره الذى حاول تبرير المسألة بكلام فارغ أكد لى أنهم نصابون حتى النخاع. وبطبيعة الحال اضطروا أن يكتبوا لى فاتورة حقيقية من دفتر موجود لديهم، ولا يستعملونه مطلقاً.
خرجت من المحل وأنا مهموم وحزين، لأن الأمر تخطى هنا مسألة التهرب الضريبى إلى النصب العلنى، وذلك بالحصول من الزبون على شهادة موقّعة تفيد بمديونيته لهم، رغم أن فلوسه تقبع فى خزانتهم!.