أسامة غريب
تحت عنوان «يُحيِى العظام وهى رميم» كتب نائب رئيس حزب الوسط الأستاذ عصام سلطان المحامى مقالا على صفحته بـ«فيسبوك» يمكن وصفه بأنه يندرج تحت تصنيف الكوميديا السوداء. كتبه بعد أن هاله ما حدث فى موضوع النائب العام واللغط الكثيف الذى ثار بعد قرار رئيس الجمهورية بتعيينه سفيرا بالفاتيكان. والحقيقة أن الهيصة العارمة التى اندلعت بعد هذا القرار كانت مدهشة فى افتعالها وعدم جديتها، ذلك أن تغيير النائب العام كان من مطالب الثورة الأساسية، وربما لو أن المصريين كان لهم نائب عامّ يمثلهم فى مواجهة القتلة وناهبى المال العام ما احتجنا إلى ثورة من الأساس. صحيح أن إخراج القرار قد شابه أخطاء، لأنه لم يكن محبوكا بصورة تؤدى إلى تمريره بهدوء، لكن الصحيح أيضا أن المعترضين لم يكن هذا سبب اعتراضهم، وإنما كان الاعتراض سببه الدفاع عن استقلال القضاء! وهو أمر شديد الغرابة، ذلك أن تعيين المستشار محمود مكى نائبا لرئيس الجمهورية لم يره أحد اعتداء على القضاء، وكذلك تعيين المستشار هشام جنينة رئيسا للجهاز المركزى للمحاسبات لم ينظر إليه أحد بحسبانه تغولا على السلطة القضائية، وكذلك كل من انتقل من على منصة القضاء إلى وظيفة المحافظ أو الوزير لم يرهم أحد قد اضطهدوا أو تعرضوا للإهانة. قيل إن موضوع المستشار عبد المجيد محمود مختلف، لأنه لم يقبل المنصب الجديد وإنما جرت محاولات لإرغامه على القبول.. قيل كذلك إنه وافق فى البداية ثم استمع إلى نصائح حذرته من التفريط فى حصانة المنصب، ثم مواجهة خصومه كمواطن عادى ستنفتح عليه بوابات جهنم. لكن المهم فى الموضوع أن الذين هاجموا الرئيس مرسى لإبقائه على النائب العام الذى عيّنه مبارك كانوا الأشد ضراوة فى انتقاده بعد أن سعى إلى تحقيق ما يطلبون، كأن النائب العام الذى خرجوا فى مظاهرات لتغييره قد صار بالنسبة إليهم أيقونة العدالة والرمز المقدس لاستقلال القضاء. وهنا يكتب عصام سلطان تصوراته للتداعيات المنطقية التى من المفترض أن تلى انتصار الأشاوس فى معركة النائب العام ومنها ضرورة عودة الرئيس المخلوع طبقا للقانون مع ضرورة محاكمة الثوار على التمرد ومحاولة قلب نظام الحكم، وكذلك رد الاعتبار لكل نزلاء طرة من رجال المخلوع الذين شكلت محاكمتهم خروجا على القانون وانصياعا لتمرد الغوغاء والسفلة والأوباش.
كتب عصام سلطان: «يتجهز وفد من القانونيين الأفذاذ والسياسيين وممن سبق لهم الترشح لرئاسة الجمهورية، لزيارة مبارك بمحبسه بمستشفى السجن لإعادته مرة أخرى لمنصب رئيس الجمهورية، والكلام هنا ليس مزاحا، والوفد ليس هازلا، بل عازم، لأنه ينطلق من ثوابت الدولة الحديثة القائمة على احترام المؤسسات والقوانين، وهذه مبرراته الموضوعية:
أولا: أن مبارك لم يستقل من منصبه، والوفد سيتحدى الدنيا كلها لإظهار استقالة مكتوبة وموقعة من مبارك، ودليل ذلك أنها لم تُنشَر فى الجريدة الرسمية حتى الآن، وأن ما تلاه عمر سليمان هو اجتهاد شخصى لا علاقة لمبارك به.
ثانيا: أنه بافتراض صحة استقالة أو تخلى مبارك عن منصبه، فإن المادة 83 من دستور 71 تقضى بوجوب توجيه الاستقالة إلى مجلس الشعب، وهو ما لم يحدث، وأن المادة 84 تقضى بتولى فتحى سرور أو فاروق سلطان رئاسة الجمهورية، وهو ما لم يحدث أيضا، وأن الفقرة الأخيرة من ذات المادة تقضى بوجوب إعلان خلو منصب الرئيس وإجراء انتخابات خلال 60 يوما وفقا لنص المادة 76! خصوصا أن جمال مبارك كان جاهزا، وهو الوحيد الذى تتوافر فيه شروط المادة 76، ولم تصدر ضده أى أحكام، وأن حرمانه من حقه الدستورى فى الترشح يعتبر عزلا سياسيا بغير مبرر، حكمت المحكمة الدستورية بعدم دستوريته، وهو ما تنبأت به لجنة الانتخابات الرئاسية فعطلت تطبيق قانون العزل على شفيق، استنادا إلى الإحساس القلبى الصادق.
ثالثا: أن كل ما أصدره المجلس العسكرى من إعلانات دستورية ومراسيم بقوانين يعتبر باطلا، لأنه صدر من مغتصِب للسلطة، تسلمها بغير الطريق الدستورى السليم، وأن كل الآثار المترتبة على هذا البطلان تمتد إلى انتخابات مجلسى الشعب والشورى، وما تولد عنهما من جمعية تأسيسية باطلة، وترشيح لمحمد مرسى، من حزبه الممثل بأكثر من نائب فى البرلمان الباطل وصل به إلى رئاسة الجمهورية، ومن ثم أحقية مبارك فى استئناف عمله رئيسا للجمهورية، وإدخاله القصر الجمهورى محمولا على أعناق الوفد الزائر، وساعتها سيعلن هذا الوفد أنه يكره مبارك ويقر بجرائمه ولكن الحفاظ على كيان الدولة الدستورى والقانونى أهم وأولى، عملا بالقاعدة السياسية القديمة التى ترسخت فى أعقاب هزيمة 67 واحتلال سيناء، من أنه لئن كانت إسرائيل قد نجحت فى احتلال الأرض فهذا ليس مهما، لأنها فشلت فى إسقاط الزعيم وهذا هو الأهم!
رابعا: أن الاضطرابات التى بدأت يوم 25 يناير وما نتج عنها من سقوط قتلى وجرحى، هم فى حقيقتهم مجرمون وليسوا شهداء أو مصابين، انقضت الدعوى الجنائية ضد بعضهم بالوفاة، ويجب إحالة الآخرين للمحاكمة الجنائية بتهمة محاولة قلب نظام الحكم.
خامسا: أنه فى حالة اعتراض البعض على كل أو بعض ما سبق، فعليه اللجوء إلى النائب العام والقضاء، وكلاهما محكوم بنصوص الدستور والقانون السابق ذكرها والتى ينبغى احترامها.
سادسا: أن عددا كبيرا من الفضائيات والصحف، ستتكفل بتسويق مهمة الوفد وشرح فوائد زيارته لمبارك بمحبسه وتمرير الأمور بالنحو المشروح، وأنه فى حالة الوصول إلى طريق مسدود، فمن الممكن تدويل القضية باعتبارها قضية مساس بالمعايير الدستورية العالمية، ومخالفة لما استقرت عليه المقررات الدولية، وطرح الأمر على المنظمات الدولية المعنية وفقا لاجتهاد صديقنا العزيز عمرو حمزاوى».
انتهى المقال وبقيت الكوميديا السوداء على أرض الواقع.