أسامة غريب
تضمنت الأوراق التى قدمها السفير المصرى الجديد فى تل أبيب رسالة من رئيس الجمهورية يمنح فيها تفويضه للسفير حتى يباشر عمله، ومن الطبيعى أن يتم توجيه الرسالة من الرئيس المصرى إلى الرئيس الإسرائيلى، لكن ليس من الطبيعى أبدًا أن تكون هذه الرسالة هى رسالة عاطفية محملة بمشاعر الحب من رئيس مصر الثورة إلى رئيس الكيان الصهيونى المجرم. ليس طبيعيًّا بحال أن تبدأ الرسالة بجملة: عزيزى وصديقى العظيم، ثم تنتهى بتوقيع: صديقكم الوفى. هذا شىء لا يسهل تصديقه لولا أن المتحدث الرسمى لرئاسة الجمهورية أقر بأن الرسالة حقيقية وليست مدسوسة على الرئيس. لقد كان أول ما تبادر إلى الأذهان أنها رسالة زائفة طرحها خصوم الرئيس مرسى بهدف عرقلة خطواته وجره إلى معارك فرعية تستنزف وقته وجهده، غير أن اعتراف المتحدث الرئاسى قطع قول كل خطيب وأكد لنا أن الرئيس مرسى خاطب الإرهابى الدولى شيمون بيريز، قائلًا: عزيزى وصديقى العظيم.
ولقد اعتادت السيدة فتحية لموناتة فى أمور كهذه أن تعبر عما يجيش فى صدور الملايين من أفكار بذيئة تختزلها سيادتها فى ضربات إسكندرانى متتالية عرفت بها الست فتحية، لكن جسامة الحدث حدت بمدام لموناتة إلى أن تأتى معها هذه المرة بأخلص صديقاتها الست عطيات الهورنى لتشاركها التعبير المكشوف عن شعور شعب مصر بالفجيعة. لم تأت فتحية لموناتة بامرأة محترمة لأن رسالة غزل فى صهيونى عتيد قاتل للأطفال لا تستدعى أن تتناولها بالتعليق إلا عطيات الهورنى الوقحة البذيئة التى لا تستحى.
عطيات الهورنى على جهلها تعرف أن شيمون بيريز هو من الآباء الأوائل المؤسسين للكيان الصهيونى على أرض فلسطين، وهو التلميذ النجيب لدافيد بنجوريون أول رئيس لدولة بنى صهيون، كما أنه صاحب الفضل فى بناء مفاعل ديمونة بمساعدة الفرنسيين من أصدقائه.. وهو صاحب المجزرة الشهيرة ضد الأطفال فى قرية قانا اللبنانية عام 96 عندما كان رئيسًا لوزراء العدو. كل هذا التاريخ تعرفه فتحية لموناتة التى بالكاد تفك الخط، كما تعرفه صديقتها عطيات الهورنى الحاصلة على الإعدادية.. ومع ذلك فإن الفيلق العرمرم من مستشارى الرئيس ومساعديه سواء الظاهرين على السطح أو الغاطسين فى الأعماق لم يسمعوا به، أو سمعوا ولم يصدقوا وتصوروا أن شيمون بيريز هو صديق عظيم لمصر ورئيسها! إن أكثر ما يثير الحزن فى تبرير هذه الرسالة الشنعاء القول بأنها أكليشيه بروتوكولى موروث منذ زمن المخلوع الأثيم، ومن العيب على قائليه أن يدفعوا برئيسهم نحو الأوحال التى مرغت سمعة مبارك وعصابته عندما كان الصهاينة أقرب إليه من أبيه وأمه. لقد كان فى الإمكان إرسال رسالة بروتوكولية عادية تقول: سيادة الرئيس فلان من دون أى زيادات، لكن من الواضح أن مستشارى الرئيس مرسى الحقيقيين الذين لا نعلمهم، هو يعلمهم قد أفهموه أن الإسرائيليين من الأقوام التى تدق عصافير على جانبى الرأس علامة على العبط والبلاهة، وأنه من الممكن أن يقوم ببلشفة دماغ رئيسهم وأن يقرّط له العِمّة على طريقة أولاد البلد فينفحه لقبًا فخيمًا يخر بعده بيريز على ركبتيه غير مصدق فيقوم مرسى بتثبيت أكتافه ويضعه هو وأركان حكومته وجيشه فى جيبه الصغير، ولعل الخطوة التالية كانت منح الرئيس الإسرائيلى قلادة أو وسامًا أو على الأقل نوط الشجاعة فى مواجهة المصريين!
وإذا كان أفراد الجماعة الملتزمين بالسمع والطاعة قد صدقوا أنه لم تكن هناك صيغ أخرى فى مخاطبة بيريز وصدقوا أن ما فعله الرئيس هو لصالح الوطن فعليهم أن ينبهوا فضيلة المرشد أن لا يتبحبح كثيرًا وهو يتحدث عن وجوب الجهاد لتحرير القدس خشية أن يصدقه الشباب الصغير ويرددوا خلفه: «خيبر خيبر يا يهود.. جيش محمد سوف يعود»، ثم يفاجئهم مرسى بأن من يريدون محاربته هو صديقه العظيم بيريز!
كل التقدير لفتحية لموناتة وعطيات الهورنى اللتين امتلكتا وعيًا مكنهما من تقديم فاصل من البذاءة مهدى إلى السفاح شيمون بيريز وكل أصدقائه الأوفياء.
نقلاً عن جريدة "التحرير"