أسامة غريب
العدوان الإسرائيلى الذى وقع على السودان ليس العدوان الأول ولن يكون الأخير ما دامت ردود الأفعال العربية عليه مائعة بهذا الشكل. ومرة أخرى يُثبِت الكيان الصهيونى أنه يمثل خطرا يتهدد السلام العالمى، حيث تعربد إسرائيل وتقصف طائراتُها أى أهداف تخطر على البال دون أن يجرؤ أحد على الاعتراض.
فى السابق كان قيام إسرائيل بالعدوان على بلد عربى يلقى ما يستحقه من اهتمام وردود فعل فى الساحة العربية، واليوم لا يحظى عدوان كهذا حتى بالتغطية الإعلامية اللائقة، فهل انشغال المواطن العربى بأحواله الداخلية يبرر هذا التقاعس عن نصرة الشقيق السودانى ولو باللسان؟ ثم إننا لا نفهم قيام طائرات إسرائيل بقصف مجمع عسكرى بالخرطوم تقول تل أبيب إنه ينتج الأسلحة، إلا بحسبانه رسالة تبعث بها إسرائيل إلى العالم العربى والإسلامى هادفة ترويع أبنائه والفتّ فى عضدهم، غير أن الحقيقة أن مثل هذه الرسائل يكون لها تأثير مخالف مفاده أننا لن نحسّ بالسلام ما بقيت إسرائيل خنجرا مزروعا فى خاصرتنا. والأمر المزعج أكثر من غيره هو الكيفية التى استطاعت بها الطائرات الإسرائيلية قطع كل هذه المسافة من تل أبيب إلى الخرطوم وهى تقترب من ألفى كيلومتر دون أن يرصدها أحد فى مصر أو السودان أو السعودية، لأنها بالتأكيد طارت فوق البحر الأحمر الذى يقال عنه فى العادة إنه بُحيرة عربية! ولا شك أن هذه الطائرات قد قامت بالتزود بالوقود فى الجو لتتمكن من قطع كل هذه المسافة فى الذهاب والعودة، فهل كانت المناورات الإسرائيلية الأمريكية الأخيرة حافزا للقيام بهذه البروفة، التى يبدو أن العدو يتدرب من خلالها على قصف أهداف أهمّ فى إيران؟ كذلك لا يمكن النظر إلى هذا العدوان بعيدا عن الفكر الإسرائيلى الأمريكى الذى يستبعد فى العادة العدوان على من يستطيعون الرد، ويتخير دائما الأهداف السهلة التى لا تكلفه ردود فعل انتقامية موجعة.. فالإسرائيليون يتوعدون إيران بالقصف منذ عدة سنوات ويقودون ضدها حربا إعلامية ومخابراتية شرسة دون أن يجرؤوا على إخراج النيات الشريرة إلى حيز التنفيذ، لعلمهم أن الرد الإيرانى سيكون فوريا وقد يكلفهم الكثير، أما العدوان على السودان وهو بلد مسالم وضعيف عسكريا فإنه بلا ثمن، لهذا لا يترددون فى أن يجعلوا منه لوحة للتنشين يتدربون عليها وقتما شاؤوا. ولعلنا نذكر الاعتداءات السابقة على السودان وقيام إسرائيل بقصف قوافل السيارات أكثر من مرة بزعم أنها تحمل السلاح الذى يتسلل إلى إسرائيل عبر سيناء، ولعلنا نذكر كذلك القصف الأمريكى للسودان فى عهد بيل كلينتون وتدمير مصنع للسلاح أيضا.. فإلى متى تستمر النزهات الإسرائيلية فى السماوات العربية والتسلى بقصف الأهداف الكائنة فى أراضينا مع قتل الأبرياء فى كل عملية جديدة؟ وإلى متى يستمر الصمت العربى الذى يغرى بمزيد من الأعمال العدائية؟ إننى أستطيع المجازفة بالقول إن الفوضى التى تتواطأ أطراف داخلية وخارجية على استمرارها فى مصر حتى لا تستقر الأحوال.. كذلك الأزمات الاقتصادية التى تعصر المجتمع.. إنما هى أشياء مقصودة ومتعمدة، الغرض منها أن لا تستطيع مصر أن ترفع الرأس لتستطلع ما يدور حولها، وحتى تظل منكفئة على نفسها لا تملك أن تقوم بالدور الطبيعى والطليعى الذى خُلقت من أجله، وأستطيع القول إن الإسرائيليين يقومون بالتخريب المنظم فى داخل مصر بمعاونة مجموعة من رجال مبارك، سواء فى الأجهزة الأمنية أو من رجال الأعمال العاملين فى خدمة المشروع الصهيونى، وللأسف فإنهم حققوا نجاحات مؤكدة دعت مسؤولا مخابراتيا سابقا لدى العدو الإسرائيلى إلى أن يصرح بأنهم نجحوا فى عهد مبارك فى تخريب مصر بصورة تجعل من يأتى للحكم بعد كنزهم الاستراتيجى أيا كان انتماؤه أو وطنيته يعجز عن عمل أى شىء يواجه به مخططات الدولة العبرية.. فهل يتركهم مرسى يهنؤون بنصرهم دون أن يسعى لبناء دولة منيعة تستطيع دون إطلاق رصاصة واحدة أن تمنع العدوان المتكرر على العرب.. أم يرتفع إلى مستوى التحديات ويبدأ فى تطهير كل الأجهزة القذرة التى يشكل بقاؤها أكبر دعم للعدو الإسرائيلى.
نقلاً عن صحيفة "التحرير"