أسامة غريب
تغضب الكاتبة الكبيرة الأستاذة صافى ناز كاظم إذا أبصرَت اسمها مكتوبًا هكذا: صافيناز، وهى تحب أن يكتب بالطريقة الصحيحة.. صافى لوحدها وناز لوحدها. ورغم معرفتى بهذا الأمر فقد وقعت فى المحظور وكتبت الاسم بطريقة خاطئة أكثر من مرة، ولولا قلبها الطيب وحُسن ظنها بى ما تركتنى أفلت بهذه الفعلة. وها أنا أكتب الاسم صحيحًا هذه المرة قبل أن أتناول مقالها المنشور بجريدة «الوطن» بتاريخ 27 أكتوبر الذى تحدثت فيه عن المشير طنطاوى باعتباره رجلًا مؤمنًا يقيم بقصر فرعون ويكتم إيمانه. صحيح أن ابنتها الكاتبة المناضلة نوارة نجم قد ردت عليها بمقال شافٍ ووافٍ أوضحت فيه أن كل الجرائم التى ارتكبت بحق الثوار قد وقعت بعلم ورضا ومباركة السيد حسين طنطاوى على عكس ما تتصور الأستاذة صافى ناز.. كذلك الأستاذ محمد فتحى كتب فى الموضوع نفسه بشكل طيب للغاية.. إلا أننى أود أن أدلى بدلوى أنا أيضًا. أعلم أن هناك مَن يحسنون الظن بالمجلس العسكرى وتصديه للفترة الانتقالية ويعذرون قادته فى ما سفكوا من دماء بزعم أنها (الدماء) لم تتجاوز آلاف اللترات فقط وليست بالملايين كما حدث فى ليبيا ويحدث فى سوريا! وهؤلاء يرون أن الانفلات الثورى كان لا بد أن يؤدى إلى بعض الصدامات مع القوات التى كانت تهدف إلى فرض الأمن والسيطرة، ويحمدون الله أن هذه الصدامات كانت فى حدها الأدنى ولم يكن منها مفر.. وأصحاب هذا الرأى هم فى الغالب من كبار السن وأصحاب التجربة العريضة الذين عرفوا الأسوأ فحمدوا الله على السيئ. وهناك البعض الآخر وأغلبه من شباب الثورة ومنهم نوارة نجم التى رأيناها تغشى الوغى وتعف عند المغنم.. هؤلاء لا يقنعهم الكلام عن الجيش الذى حمى الثورة ولا عن قائده الذى وعد بتسليم السلطة وأوفى بما وعد، والسبب فى موقفهم المتشدد هذا بمنتهى البساطة يعود إلى أنهم تعرضوا لرصاصات وغازات وبول رجال السيد المشير حسين طنطاوى قائد الجيش والقائم بعمل رئيس الجمهورية فى الفترة الانتقالية. هؤلاء الشباب يرون أن مقتل شاب واحد أو حتى إصابة وفقء عين شاب واحد تكفى لمحاكمة طنطاوى وتسحب منه أى فضل يراه الآخرون له مثل سحنته الهادئة وصوته الخفيض ومحاولته تجنيب البلاد بحور الدماء.
ما أود تأكيده هو ما بات واضحًا للجميع من أن طنطاوى لم يحم الثورة على الإطلاق، لكنه على العكس لم يدخر جهدًا فى شخرمة تلك الثورة وحماية زملائه الذين اضطر للقبض عليهم (كده وكده) وتقديمهم إلى المحاكمة (كده وكده) مع طمس كل الأدلة التى تدينهم. وما أود أن أقوله أيضا إن حكاية مثال ليبيا وسوريا هذه تصيبنى بالغضب الشديد لأنها لا تمثل أى فضل للسيد طنطاوى على الإطلاق، وفى ظنى أن المشير يحمل للثورة كراهية لا تقل عن كراهية بشار الأسد للثورة السورية وكراهية معمر القذافى للثورة الليبية، وأنه لو كان يملك أن يدك الثوار بالمدافع والطائرات لما تردد، غير أنه لم يفعل لأنه أكثر حصافة من أن يفعل ذلك.. لقد كان هدف الرجل هو أن يحافظ على نظام مبارك بكل السُبل، فسعى إلى التمثيل على الناس وادّعى أنه يؤيد الثورة ويحب الثوار حتى يهدؤوا ويتركوا له الحكم، ثم بدأ يستخدم الإعلام فى تشويه الثورة ويستخدم الأجهزة الخفية فى إحداث الانفلات الأمنى والأزمات فى السلع التموينية والوقود، وأخذ يستخدم الشرطة والجيش فى قمع الاحتجاجات التى قامت تطالبه بتحقيق أهداف الثورة التى يزعم مساندتها.. ولقد كانت قمة العبث فى اللقطة التى أظهرته يسلم على المصابين من الجنود فى مستشفى القبة العسكرى بعد موقعة العباسية حيث رأينا هؤلاء المصابين بذقون بما يعنى أنهم بلطجية مستأجرون! أما حكاية تسليم الحكم فهى نكتة سخيفة ليس فقط بسبب الإعلان الدستورى الإجرامى المكمل الذى سحب من رئيس الجمهورية الصلاحيات التى منحها له شعب مصر، ولكن لسبب آخر بسيط يشهد عليه كل الناس فى بر مصر وهو انقطاع الكهرباء بشكل يومى عقب فوز مرسى! هذه المسألة لم تكن بريئة بالمرة وأنا شخصيا أشهد بأن هذا الانقطاع توقف فورًا بعد عزل طنطاوى وعنان! هذا الرجل لم يفعل بنا ما فعله القذافى والأسد رغم كراهيته للثورة لأن إجراء كهذا كان سيضرب مخططات الحفاظ على نظام مبارك وحماية الثروات المنهوبة التى ابتلعها رجال مبارك سواء من المدنيين أو العسكريين. إخماد الثورة بالدبابات والمدافع كان سيدفع العالم إلى التدخل ولم يكن أحد ليسمح بحدوثه وكان سيترتب عليه أن يجد المشير نفسه فى نفس وضع بشار الأسد المحكوم عليه بالموت هو وعائلته إن آجلا أو عاجلا.. ومن الممكن لمن يبحث عن حسنات لطنطاوى أن يبحث فى منطقة أخرى بعيدا عن معايرة الناس بأنه لم يقصفهم بالطائرت ولم يطلق عليهم الصواريخ.
إن التاريخ سيكتب أن شعب مصر أهدى رجلا ثورة نقية فتظاهر باحتضانها ثم غرس فيها خنجره، وسيشهد أن كراهيته لهذه الثورة منعته من أن يكون بطلا لهذه الأمة بالمجان، وهى البطولة التى عرضها عليه شعب مصر فرفضها وفضل أن يكون فى معسكر مبارك.
ويا أستاذة صافى ناز أنا أصدقك فى أنك نظرتِ إلى المشير طنطاوى فلم تريه على هيئة وحش كاسر أو تنين جنزارى، ولكن رأيتيه يحمل ملامح رجل طيب، وفى ظنى أن السبب فى رؤيتك هذه يعود إلى كون الرجل مترددا وغير حاسم وهؤلاء ينالون العطف فى العادة.. لهذا أتمنى من القاضى الذى سيحاكمه فى يوم من الأيام أن ينظر فى الوقائع بعيدًا عن وجه الرجل.. السمح!
نقلاً عن جريدة " التحرير "