مصر اليوم
أستطيع تشبيه حال الرئيس محمد مرسي بقائد فريق لكرة القدم يواجه مباراة شرسة وحاسمة، لكنه للأسف يلعبها بنصف الفريق فقط بعد ان تعرض عدد كبير من اللاعبين للطرد منذ بداية المباراة.
كان من الممكن للدكتور مرسي ان يستغل التفاف الشعب حوله مع الزخم الثوري الذي أرغم قوى الداخل والخارج على الاعتراف بفوزه في الانتخابات، وذلك لأجل تحقيق أهداف الثورة والحفاظ على وحدة الشعب..وهذا في حقيقة الأمر لا يسهل تحققه الا اذا تمتع الرئيس بالقوة.لكننا فوجئنا بالرئيس يتخلى طواعية عن أوراق القوة التي كانت في يده ممثلة في جماهير الشعب وقواه الحية، ثم ينحاز فقط لجماعته ولا ينشغل الا بتمكين أفرادها من مفاصل الدولة.هنا وجدنا الرجل الذي استطاع ان يقيل المشير طنطاوي والفريق عنان في أول شهور حكمه يعجز بعد ذلك عن مساءلة الرجلين عن الجرائم التي وقعت أثناء حكمهما، بل ويخفق كذلك في اعطاء الضوء للأجهزة الرقابية بتحريك الدعاوى ضدهما فيما نسب اليهما من تكوين ثروات طائلة لا تتناسب مع دخلهما المشروع من الوظيفة!.ليس هذا فقط وانما وجدنا للمرة الأولى وزيراً للداخلية يجاهر بعدم تنفيذ أوامر رئاسية وهو آمن من العقاب!.هذا بخلاف الدستور الذي تم الخضوع فيه لما أراد الجيش والسلفيون والكنيسة وغيرهم، وذلك على حساب ما كنا نحلم به ونتمناه لدستور مصر الجديدة.
والغريب أنه كلما اشتدت ضده الحملات الداخلية ازدادت تنازلاته عن أهداف الثورة بهدف ارضاء الغاضبين، أي أنه يقدم البقشيش من جيب مصر ومن كرامتها وليس من جيبه هو! والأغرب ان تنازلاته هذه تزيد سلطته رخاوة ودولته اهتراء وهو لا يدري..يكفي فقط ان ننظر الى ميدان التحرير الذي صار مرتعاً للبلطجية والمتسولين، والدولة تعجز عن فتح الميدان..أي أنه بدلاً من اصلاح أخطائه السياسية المتمثلة في بيع الجميع والتنكر لكل من سانده، وبدلاً من مد اليد للآخرين نجد تنازلاته عبارة عن غض الطرف عن البلطجة والتسامح مع مستخدمي المولوتوف ومشعلي الحرائق، وهو الأمر الذي وصل بمصر الى ان النيابة العامة تصدر أوامر ضبط واحضار ضد بعض المطلوبين فلا تجد من يقوم بتنفيذها، بل ويقوم بعض المطلوبين بالتجول على الفضائيات كل ليلة معلنين تحديهم للدولة واخراج لسانهم لها.
لا أنكر ان مرسي يعمل بأقصى ما في وسعه ويصل الليل بالنهار لملاحقة المشكلات الاقتصادية، ويسافر هنا وهناك..لكنه يفعل ذلك بعد ان فقد نصف قوته الضاربة، لذلك فمن المشكوك فيه ان يستطيع احراز الأهداف ضد الفلول والدولة العميقة ورجال أعمال حسني مبارك والنعال الاعلامية الشرسة وقطاعات لا بأس بها من الأجهزة الأمنية..كل هؤلاء يشكلون الفريق المنافس الذي يواجهه مرسي وهو يلعب بنصف فريق، فكيف بالله يستطيع ان يفوز؟..على الأرجح هذه القوة أو هذا الضعف المتمثل في اعتماده فقط على أهله وعشيرته لن يمكنه الا من الاحتفاظ بالحكم والبقاء على الكرسي، حيث ان الأهل والعشيرة يستطيعون ان يحموه ويمنعوه ويحولوا دون سقوطه، لكنهم لا يستطيعون بناء مصر.. وتلك هي المعضلة!
نقلاً عن جريدة "الوطن"