مصر اليوم
أدوية العلاج النفسي لا تمنع الحزن أو توقف تدفقه.انها فقط تمنع الدماغ من ابلاغك أنك حزين. لكن المشكلة أنها وهي تفعل هذا تمنع الدماغ من ابلاغك بأشياء أخرى كثيرة مستحبة.. أي أنها لكي توقف الانهيار تضع سداً عازلاً بين المرء وبين مشاعره، فاذا علمنا ان الكثير من هذه المشاعر طيب وودود وانساني فلنا ان نتخيل كيف ان هذه الأدوية تدفع الانسان ليكون موجوداً بالحياة دون ان يكون عائشاً!.
وربما يقودنا هذا الى الابحار في دنيا الدواء وآثاره الجانبية.بكل تأكيد من الخير للانسان ألا يمرض، ومن الأفضل لكل فرد ان يعتني بصحته لأنه عند المرض قد يجد نفسه كالمستجير من الرمضاء بالنار، ولم يخطئ شوقي حين قال: «وأخف من بعض الدواء الداءُ».أذكر أنني عند التعرض لنزلات البرد وعندما يحدث انسداد بالشعب الهوائية فان الأطباء يصفون لي ضمن ما يصفون أدوية مذيبة للبلغم حتى يتم طرده فيصفو الصدر ويعود التنفس.. هذا حسن، لكن ما ليس حسناً بالمرة هو ما تفعله هذه الأدوية بالمعدة الضعيفة أصلاً وبالغشاء المبطن لها والمكوّن من مادة مخاطية تحمي جدارها من الالتهابات.. لا يستطيع الدواء ان يخبر هذا الغشاء بأنه ليس هو المطلوب اذابته وانما أخ له يوجد بالصدر، أما هو فعليه ان يظل كما هو ولا يتأثر بالدواء.وحتى اذا نجح العلم في الوصول لدواء يترك الغشاء المعدي في حاله بينما يذيب بلغم الصدر فمن المحتمل ان هذه النتيجة قد تكون على حساب الروح أو على حساب جزء آخر من الجسد، وقد يحمي المريض معدته لكن تتخشب مشاعره وتتحجر روحه ويجد نفسه وقد أصبح هذا الانسان المتبلد الذي قال فيه الشاعر قديماً: تمر بك الأيامُ كلمى هزيمة - ووجهك وضاحٌ وثغرك باسم!.ولئن قالها الشاعر في مدح السلطان دون ان يدري أنه يشتمه، فان من حسن حظه ان السلطان فهمها على أنها تمتدح ثباته ورباطة جأشه، ولم يرها دالة على بلادة روحه وانعدام شعوره وافتقاده الاحساس بالمسؤولية.ولأن هذا الدواء لم يُنتج بعد فان الأطباء يضيفون في الوصفة الطبية شيئاً من الدواء الحامي للمعدة والذي يتكفل بتقليل العصارة المعدية الكاوية.هذا حسن.. و لكن ما ليس حسناً بالمرة ان هذا الدواء الجديد قد يؤثر في انزيمات الكبد فيجد الشخص نفسه محتاجاً الى تناول منشطات لهذه الانزيمات، ومن سوء الطالع ان أشهر أدوية تنشيط الكبد وأكثرها نجاعة مكتوب في نشرته الداخلية ان آثاره الجانبية تتمثل في:التهاب الجهاز التنفسي العلوي-صداع واجهاد-آلام بالعضلات والظهر-التهاب بالجيوب الأنفية والبلعوم-اسهال وآلام بالبطن!.. فأي دواء هذا الذي لا يترك مكاناً بالجسم الا أصابه وأوجعه؟.. و كل هذا بسبب نزلة برد سببها لفحة هواء مفاجئة، فاللهم رحماك من هذه الحياة وأجِرْنا من رمضائها، وارزقنا الصحة والعافية حتى لا نقع فرائس للدواء المؤلم!
نقلاً عن جريدة "الوطن"