توقيت القاهرة المحلي 06:13:14 آخر تحديث
  مصر اليوم -

حانة ديفارج

  مصر اليوم -

حانة ديفارج

أسامة غريب

أصبحت كلما قمت بمطالعة الصحف أو مشاهدة برامج التوك شو المسائية أتذكر مشهداً خالداً في رواية «قصة مدينتين» للأديب الانجليزي تشارلز ديكنز.. كانت تفاصيل المشهد تدور في «حانة ديفارج» الواقعة بحي سان أنطوان في باريس.. ذلك الحي الذي أبدع المؤلف في تصوير مظاهر البؤس به في ذروة أحداث الثورة الفرنسية. كانت الحانة التي تعج بالرعاع هي أحد المقار التي تدار منها الثورة.. وفي المشهد الذي رسمه «ديكنز» جلست مدام ديفارج على الأريكة بجوار زوجها صاحب الحانة مسيو ديفارج وانهمكت في شغل الابرة.. وبينما تقوم بهذا كانت تتوقف أحياناً لتقوم باملاء زوجها مسيو ديفارج أسماء جديدة لمن حكم عليهم الغوغاء بقطع الرأس بالمقصلة، وكلما نسيت اسماً قامت تستعين بصديقاتها الموجودات معها بالحانة لتذكيرها بمن يتعين قطع رؤوسهم!. كانت أصوات الجالسين بالحانة تمتزج بنشوة الشراب الرخيص وهم يرددون صيحات أشبه بعواء الذئاب استحساناً لاضافة كل اسم جديد.. وكان هذا العواء مقدمة لعواء الجماهير المتعطشة للانتقام الذي تواصل في ساحة الشعب حيث نصبت المقصلة الرئيسية. كانت الثورة الفرنسية قد اندلعت في صيف عام 1789 بعد ان ضج الناس من المظالم التي عانوها على يد النظام المستبد. تم الهجوم على سجن الباستيل رمز القهر والعذاب وخرج السجناء الأبرياء.. عقب ذلك تم اعلان حقوق الانسان والمواطنة وعرف الناس في العالم كله مبادئ الثورة الفرنسية الشهيرة (الحرية والاخاء والمساواة) وبدأ الناس يأملون في تنسم ريح الحرية. غير ان الثورات للأسف كثيراً ما التهمت جانباً من أبنائها في غمرة انشغالها بالقصاص من الظالمين. في ذلك الوقت كانت حياة الناس واقعة تحت رحمة الدهماء الذين عاشوا حالة ثورية جامحة لم يكونوا فيها بالضرورة الأكثر اخلاصاً للوطن، بل ان بعضهم أخفي حقارته ورغبته في تصفية الحسابات الشخصية تحت غطاء الانحياز للثورة، وسمحوا لأنفسهم وهم الذين كانوا الأكثر اخلاصاً في خدمة النبلاء بتشويه من يقف في طريقهم وكتابة اسمه في لائحة الموت!. يتراءى لي مشهد حانة ديفارج الذي رأيته بعين خيالي عندما قرأت الرواية الشهيرة التي قدمتها السينما عشرات المرات.. يتراءى لي ذلك المشهد عند قراءة بعض الصحف التي خلت من المهنية والموضوعية وامتلأت بالفبركة والأكاذيب واختلاق أخبار لا ظل لها من الحقيقة، حتى نستطيع القول بأنها صحف تخلو من أي صحافة (!) لكن تمتلئ بعواء الذئاب.. وكذلك عند مشاهدة بعض البرامج المسائية التي تكاد تتفجر عروق مقدميها وضيوفهم وهم يعوون ويصرخون ويبالغون في الكذب والتدليس.. ويضيفون كل يوم أسماء جديدة يتمنّون وضع رؤوس أصحابها تحت المقصلة!. تكمن المأساة في ان مسؤولي الصحف ومقدمي البرامج وكذلك معظم ضيوفهم كانوا هم أنفسهم أكثر من غيرهم اخلاصاً وتفانياً في مسح الأرضيات وغسيل الصحون وكي الملابس وتلميع الأحذية في بلاط نبلاء العهد البائد.. هي حقاً حانة ديفارج بُعثت في قلب القاهرة! نقلاً عن صحيفة الحياة

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حانة ديفارج حانة ديفارج



GMT 14:06 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

لا فرصة للعرموطي برئاسة مجلس النواب

GMT 14:02 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

كيف نتحقق من الادعاءات؟

GMT 14:00 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

بلفور وما بعده.. سيناء ومستقبلها!

GMT 13:58 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

عنوان الدورى الاستثنائى!

GMT 13:54 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

نزيف البالطو الأبيض

GMT 10:32 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

اليوم التالي

GMT 10:31 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

الخيط الأميركي

GMT 10:30 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

هجرات جديدة على جسور الهلال الخصيب

إطلالات عملية ومريحة للنجمات في مهرجان الجونة أبرزها ليسرا وهند صبري

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 18:09 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

بانكوك وجهة سياحية أوروبية تجمع بين الثقافة والترفيه
  مصر اليوم - بانكوك وجهة سياحية أوروبية تجمع بين الثقافة والترفيه

GMT 08:32 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

غوتيريس "قلق جدا" لوجود قوات كورية شمالية في روسيا
  مصر اليوم - غوتيريس قلق جدا لوجود قوات كورية شمالية في روسيا

GMT 05:30 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان يطالب بتطبيق القرار 1701 بحرفيته دون إضافات أو تفسيرات
  مصر اليوم - لبنان يطالب بتطبيق القرار 1701 بحرفيته دون إضافات أو تفسيرات

GMT 09:38 2021 الإثنين ,20 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم الإثنين 20/9/2021 برج الحوت

GMT 00:05 2023 الثلاثاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الأهلي يستقر على التجديد لعمرو السولية

GMT 07:13 2021 الثلاثاء ,20 تموز / يوليو

جزء ثانٍ من فيلم «موسى» في صيف 2022 قيد الدراسة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon