اسامة غريب
كل مرة أسافر فيها إلى بلاد ربنا الجميلة تناوشنى الأفكار بخصوص الناس والحياة.. يحدث هذا إذا زرت ريفاً جميلاً أو جلست على ضفاف بحيرة بديعة أو بالقرب من نبع صاف أو فوق تلة تشرف على وادٍ ذى زرع وورد وفل وياسمين.
أفكر كيف أن هؤلاء الناس يستطيع الواحد منهم أن يستمتع بالحياة دون أن يكون فاحش الثراء.. فالسكن على ضفاف البحيرات ليس مكلفاً جداً، لكنه فى متناول الأسر المتوسطة، كذلك الصعود إلى التلال والبناء فوقها ليس صعباً، وأيضاً اقتناء كوخ فى الغابة ليس بالأمر العسير..وهنا لابد من التنويه بأن الطبيعة الغنية فى بلاد ربنا الجميلة ساعدت على وجود وانتشار الأماكن ذات الطلة الأخاذة الساحرة بكثرة بعيداً عن زحام المدن وضوضائها وتلوثها، وقد ساعد هذا مع الإدارة الرشيدة للدولة ومد الخدمات لكل مكان فى إمكانية الاختلاء بالطبيعة والعيش فى ظلها الوارف. وحتى الذين لا تساعدهم قدراتهم المالية على السكن والإطلال الدائم على ما يبهج النفس ويفتح الشهية للحياة فلا يستطيع أحد أن يمنعهم من صيد السمك على النهر أو استئجار مركب فى البحيرة أو حتى التمشية على الكورنيش.
كل هذا يرد على ذهنى عند السفر للخارج، ووقتها أقارن بين الطبيعة الخلابة التى أراها أمامى وبين الطبيعة الفقيرة فى بلادنا الصحراوية المجدبة، كما أجد أنه من الأسهل الحصول على بيت صغير يطل على بحيرة فى أوروبا أو أمريكا من الحصول على كوخ ذى إطلالة على بحيرة قارون بالفيوم مثلاً.. فهنا قد استولت أسماك القرش البشرية على كل الأماكن المميزة ورفعت أسعارها واستطاعت أن تستحوذ على ما يسر النظر ويبهج النفس دون أن تشرك فيه عوام الناس.. ويرد على خاطرى أيضاً كيف أن غياب الرحمة فى بلادنا قد منع الناس العاديين من مجرد التمشية على كورنيش النيل فى بلد يمتد فيه النهر الخالد لأكثر من ألف كيلومتر..نعم ألف كيلومتر، ولا يوجد بكل مدينة أو بلدة يعبرها النيل بضعة أمتار بالمجان لراغبى إمتاع النظر واستنشاق الهواء.
ففى مدينة مثل القاهرة تحتل نوادى الشرطة والقوات المسلحة والنقابات والهيئات معظم كورنيش النيل من شبرا إلى حلوان دون أن تسمح للإنسان الفقير بمكان يحصل منه على إطلالة على النهر الذى أرسله الله للناس جميعاً! ولعل هذا هو سبب الظاهرة التى ننفرد بها عن العالمين وهى نزول الناس من البيوت وبحوزتهم مقاعد صغيرة والتوجه بها نحو الكبارى والجسور التى تعبر النيل والجلوس على أرصفتها لاقتناص شمة هواء، ذلك أنه من حسن الحظ أن الضباع الضارية لا تستطيع أن تبنى بيوتاً أو منشآت على أرصفة الجسور وإلّا انهار الجسر!
الخلاصة أن من كان فقيراً وأراد أن يحصل على نصيبه العادل من الطبيعة التى خلقها الله للناس كافة، فعليه أن يسافر بعيداً عن الدنيا الضيقة الكئيبة إلى رحابة بلاد ربنا الجميلة.
نقلاً عن جريدة " المصري اليوم "