توقيت القاهرة المحلي 18:40:32 آخر تحديث
  مصر اليوم -

كورسات في حقوق الإنسان

  مصر اليوم -

كورسات في حقوق الإنسان

أسامة غريب

كنت أعبر بسيارتي وسط الزحام عندما لمحت امرأة عجوزاً ضئيلة الحجم تنزل من الرصيف تحاول العبور، ثم ترتد الى الخلف في فزع ثم تعاود المحاولة مرة أخرى. تكرر هذا الأمر منها عدة مرات دون فائدة، وأتاح بطء حركة السيارات لي ان أراها تنادي رجل الشرطة القريب طالبة مساعدته: «والنبي يا ابني تعديني» كان يقف وظهره اليها ولا يبدو أنه سمعها.لا أدري ما الذي أصابني وأنا أراها تنادي الشرطي وتلح في الرجاء ان يأخذ بيدها.. وجدت قلبي يدق بشدة وأنا أشعر بالخوف على هذه المرأة.. ليس فقط الخوف من ان تصدمها سيارة، وانما قد تصورت ولا أدري لماذا ان الشرطي سيلتفت اليها ضجراً بندائها المتواصل ثم سيعبر الخطوتين اللتين تفصلانه عنها وسيل من الشتائم ينهمر من فمه ثم يركلها في بطنها بحذائه الميري ويتركها على الرصيف تصارع الموت.عندما وصل بي سوء الظن الى هذا شاهدت نفسي أتحرك بعصبية داخل السيارة أريد ان أتوقف لمساعدتها قبل وقوع الكارثة.لكن لدهشتي وجدت الرجل يلتفت اليها ثم يمسك بها في رفق ويطويها تحت ذراعه ويعبر بها في أمان. أكملت طريقي الى البيت وأنا مستغرب من نفسي، ما الذي جعلني أتخيل هذا السيناريو المأساوي الذي لم تبد له أي شواهد؟ لماذا أسأت الظن بالفتى وتصورته وحشاً مفترساً مع أنه كان كريماً للغاية مع السيدة العجوز وتعامل معها كما لو كانت أمه؟. عندما خلوت الى نفسي وتأملت الأمر بهدؤ أدركت ان توقعاتي المحدودة للغاية من رجال الشرطة فيما يخص حُسن معاملة الناس مرجعها الأساسي أنني علمت أخيرا ان رجال الشرطة يأخذون دورات تعليمية في حقوق الانسان!.. ولكن هل أخذ المرء كورسات في حقوق الانسان هو أمر يدعو الى القلق أم يبعث الطمأنينة في النفوس؟ في اعتقادي أنه أمر مخيف للغاية ولا يدعو للراحة بأي حال، لأن الانسان على فطرته الطبيعية لا يحتاج لمن يعلمه كيف يكون انساناً.. القسوة هي التي تحتاج الى مُعلم والوحشية هي التي تحتاج الى أستاذ، أما الانسانية والرحمة فهي السلوك الطبيعي الذي لا يحتاج سوى ان يتركوا الفرد دون ان يعلموه شيئاً!.وحتى يكون كلامي مفهوماً أكثر سأضرب مثالاً بشخص يحمل معه شهادة من أطباء الأمراض العقلية والنفسية تفيد بأنه عاقل.. هل اشهار هذه الشهادة في وجهك يحملك على الاطمئنان الى التعامل مع صاحبها والوثوق به، أم انها كفيلة باثارة فزعك وانطلاق هواجسك نحوه؟ من المؤكد أنك لن تكون مطمئناً أبداً الى عاقل بشهادة، لأن الأصل في الانسان أنه عاقل دون شهادات ودون كورسات حكمة ودروس اتزان وضبط زوايا مخ! لهذا كله فقد أدهشني الشرطي الطيب الذي سلك سلوكاً غير بوليسي بالمرة، مع ان مصطلح «سلوك بوليسي» في بلاد ربنا المحترمة لا يعني سوى الغوث والنجدة ومساعدة الملهوف مصحوباً بالابتسامة الطيبة.لكن بالمعايير العربية فان هذا الرجل تخلى عن شرطيته وأقدم على تصرف بسيط للغاية وطبيعي للغاية وبشري جداً.. فأثار دهشتي وارتباكي حتى حسبته قد خرج الينا مبعوثاً من أحد المسلسلات. الأمر الأكيد ان هذا الشرطي الطيب لم يحصل على دورة تدريبية في حقوق الانسان من تلك الدورات التي يقدمها الخبراء الأمنيون لتلامذتهم وانما حصل على تربية عادية من أم طبيعية وأب عادي مثله مثل الملايين من أبناء هذا الشعب الطيب! نقلاً عن صحيفة الوطن الكويتية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كورسات في حقوق الإنسان كورسات في حقوق الإنسان



GMT 09:03 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

شالوم ظريف والمصالحة

GMT 09:02 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

مسرح القيامة

GMT 09:01 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان... و«اليوم التالي»

GMT 09:00 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

لماذا توثيق «الصحوة» ضرورة وليس ترَفاً!؟

GMT 08:59 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

جهود هوكستين: إنقاذ لبنان أم تعويم «حزب الله»؟

GMT 08:57 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

الوجدان... ليست له قطع غيار

GMT 08:55 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

«فيروز».. عيونُنا إليكِ ترحلُ كلَّ يوم

GMT 08:54 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

ذكرى شهداء الروضة!

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 17:00 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

الإجازات الرسمية في مصر لعام 2025 جدول شامل للطلاب والموظفين
  مصر اليوم - الإجازات الرسمية في مصر لعام 2025 جدول شامل للطلاب والموظفين

GMT 11:07 2020 الجمعة ,24 كانون الثاني / يناير

سعر الذهب في مصر اليوم الجمعة 24 كانون الثاني يناير 2020
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon