أسامة غريب
طول عمرنا ونحن مشغولون بأنفسنا عن العالمين، ونظن أن الدنيا أيضاً مشغولة بنا بذات الدرجة. مسألة غريبة حقاً أننا ننظر إلى داخل أنفسنا، ولا نرنو بأنظارنا إلى العالم الخارجى إلا لنتهمه بأنه يتآمر علينا، وإحساسنا بالذات متضخم، ونظن أن الكون كله معلق بإشارة من أصابعنا، كما نعتقد أن سكان الكرة الأرضية لا ينامون قبل أن يعرفوا آخر أخبارنا!.
هل يصدق أحد أننا فى مصر ومع كل حبنا لكرة القدم، ومتابعتنا المسابقات الأفريقية من أبطال الكؤوس وأبطال الدورى التى يشارك فيها الأهلى والزمالك لا نتابع مجريات البطولة، ولا نعرف حتى اسم الفريق الفائز بها إذا خلت البطولة من وجود الفرق المصرية؟ نحن نعرف فقط البطولات التى نفوز بها، ونهلل للفوز تهليلاً كبيراً، ونتصور أن الدنيا كلها تتابعه معنا.. أما إذا انهزمنا وودعنا البطولة مبكراً فإن الصحافة الرياضية لدينا لا تكلف نفسها بتغطية البطولة أو تعريفنا بالفائز، اللهم إلا فى خبر صغير تفوت قراءته على معظم الناس.. هذا مع العلم أننا لا نكف عن التشدق بالانتماء الأفريقى، والريادة فى القارة، مع أن تصرفاتنا لا توحى بأى ريادة، إنما بالتمحور حول الذات، والانشغال بالانتصارات الصغيرة التى نتصورها فتوحات يتحدث عنها العالم. وعندما فاز نجيب محفوظ بجائزة نوبل فى الآداب عام 88، فإن فرحتنا به فاقت أى فرحة أخرى عاشها شعب فاز أحد أبنائه بنوبل فى الآداب، وقد تصورنا، وقتها، أن كل إنسان على ظهر الأرض قد بلغه الخبر السعيد، وأصبح يعرف أديبنا الكبير، مع أن المواطن المصرى لم يعرف أبداً اسم الفائز بنفس الجائزة فى السنوات التى سبقت فوز «محفوظ» بها أو فى السنوات التالية لفوزه.
ويبدو لى أن السبب وراء هذه الحالة يكمن فى أن إنجازاتنا الحقيقية شحيحة للغاية، وإسهامنا فى الحضارة الإنسانية متوقف منذ ألف عام، وقد زاد على ذلك أن الحقب الأخيرة قد مات فيها الطموح موتاً سريرياً، وصغرت الأمانى حتى أصبحت بحجم مفهومية الحاكم البليد، وأصبحت الدولة المصرية تشبه الطفل الأنانى السخيف الذى يعتبر فوز الآخرين خبراً سيئاً يستحق التجاهل، عوضاً عن الفشل الذى يحققه كل يوم، ومع هذا فإن هذا الطفل تسير وراءه زفة إعلامية تجعل من نزول «الريالة» على ملابسه خبراً مهماً يستحق الإشادة. ولننظر مثلاً إلى الدكتور أحمد زويل، لنرى أن كل شعب مصر يعرفه جيداً، ويتابع أخباره ولقاءاته التليفزيونية، وذلك على العكس من الشعب الأمريكى الذى لا أظن المواطن العادى به يعرف «زويل» أو غيره من الفائزين بـ«نوبل».. ذلك أن أمريكا تقدم كل عام فائزين جدداً فى كل المجالات العلمية، ولا يسهل على الشعب الأمريكى أن يتابعهم جميعاً، وأتصور أيضاً أن هناك فى مصر من ينظر لمن لا يعرف «زويل» على أنه شخص جاهل، بالرغم من أنه هو نفسه لا يمكن أن يكون عارفاً باسم أى شخص فاز بـ«نوبل» فى الكيمياء أو الفيزياء، طيلة قرن بأكمله!
نقلاً عن جريدة " المصري اليوم "