مصر اليوم
أخشى ان مصر قد شربت من نبع الجنون.
مررت على المتظاهرين بميدان التحرير حيث يعتصم معارضو الرئيس مرسي ثم عرجت على ميدان رابعة حيث يوجد مؤيدوه، وعدت من جولتي ورائحة الحريق الكبير تملأ أنفي.كان سؤالي لكل من قابلتهم هو: هل هناك شيء يستحق ان تندلع الحرب الأهلية من أجله؟.. الغريب ان الاجابة من الطرفين كانت ان ما يريدونه ويطلبونه يستحق الموت وترخص له الحياة!.لم يحدث في أي وقت من تاريخ مصر القديم والحديث ان وقف نصف الشعب المصري في مواجهة نصفه الآخر كما يحدث الآن.ليست هذه سلطة ومعارضة تتنافسان بأساليب الديموقراطية أو حتى تتبادلان الخشونة أثناء اللعب، انما ما أراه هو حالة عداء سافر من كل طرف للطرف الآخر بحيث انه لا يتمنى ان ينصاع الخصم لارادته، وانما يحلم بابادته ونفيه من الحياة كلياً!.هل يمكن ان يصدق أحد أنني لم أعثر في كل ميدان على شخص واحد.. شخص واحد يعترف لخصومه السياسيين بفضيلة انسانية واحدة؟ ما وجدته هو جبهة تنظر للخصوم على أنهم فاشيون ارهابيون أغبياء لا يملكون عقولاً أو أفئدة.. وجبهة أخرى تنظر للخصوم على أنهم كفار ملاحدة بلا حياء ولا أخلاق أو شرف!.الغريب ان الطرفين تشاركا النضال بالأمس القريب في ميدان واحد ضد المخلوع الأثيم، لكنهما نسيا ذلك وتبخرت من الرأس الذكريات الطيبة لتحل محلها الكراهية العميقة.
ما يحيرني هو أنني لا أتمنى انتصار طرف منهما على الآخر بعد كل هذا الشحن، لكن أتمنى الوصول لصيغة ترضي الطرفين وتحافظ على الوطن في الوقت ذاته.يدفع أنصار الرئيس مرسي بأنهم ينافحون عن شرعية الصندوق التي أتت بالرجل رئيساً، ويرد الطرف الآخر بأن الرجل رئيس منتخب فعلاً لكنه عمل لصالح جماعته الضيقة وفشل في ان يكون رئيساً لكل المصريين وعليه يتعين ان يرحل.يرد أنصار الرئيس بأن الانتخابات البرلمانية على الأبواب ومن يمتلك الشارع -كما يزعم - باستطاعته الفوز بأغلبية برلمانية تمنحه سلطة التشريع وتكفل له تشكيل الوزارة.. يرد معارضو الرئيس بأن هذا فات أوانه والاحتكام الآن لرأي الشعب.يقول مؤيدو الرئيس: أي شعب؟ هل تتحالفون مع الفلول وجماعة آسفين يا حسني ثم تزعمون ان هذا هو الشعب؟ هنا يأتي الرد: أنتم أول من تعاون مع الفلول واستعان بهم ورفض تطهير أي مؤسسة أملاً في الاستفادة من فسادها!.. وهكذا يستمر حوار الطرشان الذين لا يستمع أي منهم للآخر ويستمر الحشد في الميادين بوهم ان من يحشد أكثر لأطول فترة ممكنة ستكون له الغلبة.
ان الصورة تبدو لي شبيهة بسيارتين تتلاقيان على مرتفع معرض للانهيار وتسدان الطريق، ثم يأخذ كل من السائقين في اطلاق النفير للسائق الآخر حتى يتراجع ويفسح له الطريق.. يمر الوقت وكل منهما لا يريد ان يتزحزح بينما الطريق آخذ في التشقق والتداعي بما ينذر بأن الموت المحقق في انتظارهما معاً لو لم يبادر أحدهما ويبدأ في التراجع.
لا أريد ان أضحك على النكتة التي أطلقها بعض أصدقائي الذين أفتوا ساخرين بأن الخروج من هذه المشكلة هو حل الدولتين ما دام الفرقاء السياسيون قد أصبح كل منهما يتمنى زوال الآخر وفنائه.. أي ان تنقسم مصر الى دولة تضم أنصار الرئيس مرسي ودولة تضم خصومه.. أقول لا أريد ان أضحك لأن نزاعاً مشابهاً قسم الهند الى ثلاث دول وقسم السودان بالأمس القريب الى دولتين، ولا شك ان مجموعات من الأصدقاء في السودان والهند قد تداولوا الأمر ذات يوم وهم في جلسة أنس يضحكون غير عارفين ان ما ظنوه نكتة في حينها كان هو خريطة المستقبل التي تحققت.
اذا كان هذا ما تريدونه لمصر فامضوا في غيكم يا كل أطراف المشكلة تصحبكم لعنة الله.