أسامة غريب
منذ سنوات طويلة كتب الشاعر عبدالرحمن الأبنودى فى إحدى قصائده الجميلة:
دلوقتى ممنوع الكلام ع الحرب.. إحنا ف زمان الشطارة. وأهو جاء نصر الله والفتح.. بقليل من المهارة.. طب ليه أخوض الحرب وقرفها.. ما دام أقدر أروح القدس بالطيارة.
كان الشاعر يتحدث عن الرئيس الراحل أنور السادات وزيارته للقدس التى صورها أنصاره على أنها فتح مبين يغنى عن تحرير الأرض بالحرب وينهى الصراع الطويل ولا يكلف إلا ركوب الطائرة والذهاب بها للعدو.
والآن يبدو أن أنصار ركوب الطائرة ما زالوا يرون أن الصراع السياسى فى مصر يمكن حله باعتماد آلية جديدة تستبعد أدوات الديمقراطية المعروفة من انتخابات واستفتاءات ومجالس نيابية وحوار سياسى.. تتضمن الآلية الجديدة الاستغناء عن كل ما سبق واستبداله بركوب الطائرة والتحليق بها فى الجو والارتفاع فوق أحد الميادين وتصوير الحشود به، مع إخراج اللقطات إخراجاً سينمائياً متقناً ثم الاستناد إلى الفيلم المصور فى التأكيد على أن رئيس الجمهورية المنتخب قد فقد شرعيته طبقاً لرأى الشعب الذى تم تصوير حشوده بالطائرة!
لا يعد ما سبق دفاعاً عن مرسى ولا عن أخطائه الكارثية التى فاقمت المشاكل بدلاً من أن تحلها، ولكنه حديث عن آلية لم يسبقنا إليها أحد فى الإبقاء على رئيس الجمهورية أو إزاحته.. إذ إن حجم الحشود طبقاً لموقع جوجل إيرث صار هو الذى يحدد جدارة المنتخبين بالبقاء أو وجوب رحيلهم! وليت هذا المعيار الغريب قد تم تطبيقه بعدالة، لكن المؤسف أن تطبيقه تم بانتقائية وانحياز بالغين، ففى الوقت الذى أخذ الاحتفاء فيه بمظاهرات الشعب فى التحرير صوراً جلية تم تجاهل التظاهرات فى رابعة وميدان النهضة كما لو كانت تحدث على كوكب آخر.. فهل مشكلة هذا القطاع من الشعب أنه لا يجد طائرة ومخرجاً سينمائياً يظهر الحشود الأخرى التى لا تقل ضخامة عن الحشود الأولى.. أم أنها مشكلة الذين قرروا سلفاً أن ينبهروا ببعض المظاهرات وأن يغضوا الطرف عن البعض الآخر؟
و حتى لو قررنا أن ركوب الطائرة يلغى شرعيات ويمنح شرعيات جديدة.. ألم يخرج الشباب فى 30 يونيو بهدف إجراء انتخابات رئاسية جديدة؟ فأين ذهب هذا المطلب فى الصورة التى نشاهدها الآن والتى تتحدث عن وزارة جديدة ونائب رئيس جمهورية لا يملك من الصلاحيات سوى السعى لإقناع العالم بأن ما حدث ليس انقلاباً؟ أين الهدف الوحيد أو الذى كان وحيداً من الخروج يوم 30 يونيو؟ هل توارى وحلت محله صورة جديدة لها مفردات مختلفة عما خرج الشباب من أجله؟ وهل الرحلات التى تعتزم السلطة الجديدة تنظيمها لبعض النشطاء من أجل إقناع العالم بجدارة الفيلم المصور بالطائرة بجائزة الأوسكار.. هل هى الثمن المناسب للسكوت عن الأهداف التى خرج من أجلها الشباب بعد الاكتفاء بفوز الدكتور البرادعى بالمنصب الوهمى؟
وماذا يفعل الذين يملكون حلماً ولا يملكون طائرة تذهب بهم للقدس بديلاً عن قتال العدو أو طائرة تقوم بتصوير المظاهرة بديلاً عن الانتخابات؟
نقلاً عن جريدة "المصري اليوم"