توقيت القاهرة المحلي 18:52:54 آخر تحديث
  مصر اليوم -

العذاب الأبدي

  مصر اليوم -

العذاب الأبدي

أسامة غريب

هل صحيح أن الطعن من الأمام أكرم وأحفظ للود من الطعن فى الظهر؟ هل ضربة السكين فى القلب من موقع المواجهة تختلف عن تمزيق نفس القلب، إذا تم غرس السكين به من الخلف؟ لقد ذكر أحد الحكماء فى موضع السخرية واليأس من الصداقة أن الصديق الحقيقى هو الذى يكتفى بأن يطعنك من الأمام، بينما يقول الصحابى الجليل خبيب بن عدى: ولست أبالى حين أُقتل مسلماً.. على أى جنب كان فى الله مصرعى. ولكن لماذا الطعن من الأساس بين الأهل والأصدقاء، وهل صار حتميا حتى نتمنى الترفق عند القيام به، ونطلب اللطف فيه؟ يبدو أن الأمر صار كذلك، وعليه وجب أن نفهم مزايا تلقى الطعنة من الأمام. أعتقد أن وصم الطاعن من الخلف بالجبن قد وصّف الحالة، لكن دون أن يفسرها، ذلك أن حامل السلاح الذى يبغى الشر بخصمه أو بصديقه يملك إمكانية الحسم فى كل الأحوال، سواء واجه الرجل، وطعنه من الأمام أو باغته ورشقه من الخلف، فما الذى يجعله يخشى النظر فى عينى الضحية ويؤثر أن يدفن نفسه وسلاحه فى الظهر تفادياً لتلاقى العيون؟ أظن السبب يكمن فى أن العيون ليست مجرد وسيلة للرؤية والإبصار، لكنها تختزل الإنسان كله فى نظرة، وبإمكانها أن تحمل فى لمحة كل الأمل والألم والعتاب، وهى حاملة ومستقبلة رسائل طوال الوقت، لهذا فإن كثيراً من الناس تتحاشى النظر فى عيون من تحدثه، سواء من أجل أن تخفى الكذب الذى تلوكه أو الشر الذى تضمره، وقد قالوا من قديم إن الصبَ تفضحه عيونه، أى أن العاشق مهما اجتهد فى إخفاء مشاعره فإن نظرة منه إلى المحبوب يراها الناس، كفيلة بكشف قصة الحب التى اجتهد العاشقان فى تخبئتها..لذلك فإن القاتل يخشى من مواجهة كل ذلك ويتحاشى أن تلتقى عيناه بعينى صديقه، خشية أن يُحمّل المقتول نظراته رسائل لا تُحتمل فى تلك اللحظات بها ذكريات عن ملاعب الصبا وعن معابثة الفتيات وعن المشاجرات التى دخلها لأجل صديقه والمواقف التى حماه فيها من الفضيحة، وستر عليه، وكذلك عندما أنقذ حياة قاتله من الموت. كل ذلك لا يود القاتل أن يتعرض له خشية الكوابيس الليلية التى ستصاحبه بقية العمر وتفسد عليه المغانم التى حصدها من طعن صديقه..هذا فضلاً عن الأشعة التى تخرج من العينين المغدور صاحبهما.. تلك الأشعة التى يخشاها الناس حتى فى أوقات السلم والحياة الطبيعية فيما بينهم، ويمكن لمثال المصعد أن يكون كاشفاً، حيث يخشى الغرباء الذين يضمهم الأسانسير أن تتلاقى نظراتهم خوفاً من الأشعة التى لا يبطلها سوى الود بين الناس، فيحملق كل منهم فى السقف، أو يتشاغل بالعبث بشاربه أو النظر فى المحمول.. يحدث هذا لتفادى الأشعة التى تخرج من العينين، خشية أن تحمل موجات ضارة. لكل ذلك فإن الحكيم قد وصف الصديق الحقيقى بأنه ذلك الذى يطعن من الأمام، ولربما قد قصد بدهاء أن يستثير نخوة صديقه القاتل ويستدرجه إلى ملعبه، حيث تتلاقى نظرات العيون وقت الطعن، فيضمن بهذا أن يقذف بقاتله إلى أتون العذاب الأبدى. نقلاً عن جريدة " المصري اليوم "

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

العذاب الأبدي العذاب الأبدي



GMT 09:03 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

شالوم ظريف والمصالحة

GMT 09:02 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

مسرح القيامة

GMT 09:01 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان... و«اليوم التالي»

GMT 09:00 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

لماذا توثيق «الصحوة» ضرورة وليس ترَفاً!؟

GMT 08:59 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

جهود هوكستين: إنقاذ لبنان أم تعويم «حزب الله»؟

GMT 08:57 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

الوجدان... ليست له قطع غيار

GMT 08:55 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

«فيروز».. عيونُنا إليكِ ترحلُ كلَّ يوم

GMT 08:54 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

ذكرى شهداء الروضة!

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 18:52 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

روسيا تتعاون مع الحوثيين لتجنيد يمنيين للقتال في أوكرانيا
  مصر اليوم - روسيا تتعاون مع الحوثيين لتجنيد يمنيين للقتال في أوكرانيا

GMT 17:00 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

الإجازات الرسمية في مصر لعام 2025 جدول شامل للطلاب والموظفين
  مصر اليوم - الإجازات الرسمية في مصر لعام 2025 جدول شامل للطلاب والموظفين

GMT 11:07 2020 الجمعة ,24 كانون الثاني / يناير

سعر الذهب في مصر اليوم الجمعة 24 كانون الثاني يناير 2020
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon