أسامة غريب
فى اعتقادى أن التعامل الخشن لأى ذى سلطة فى مصر مع المواطن هو أمر موجود فى الجينات، وقابع فى تلافيف الجمجمة، ولا يحتاج إلى أوامر أو تعليمات من الرؤساء، وإليه يعزى إلى جانب أشياء أخرى، سلوك رجال الشرطة فى زمن مبارك، وكل ما سبقه وما تلاه!. وهذا فى الحقيقة يصعب إلى حد كبير مهمة من يريد أن يُلزم الأجهزة الأمنية باحترام القانون لدى التعامل مع الناس.. البرىء منهم والمُدان. لا أنكر أن لدينا تراثاً طويلاً من الدفاع عن الحقوق ضد وحشية الأجهزة الأمنية، لكن ما يدهش هو أن الدفاع يكون فى الغالب منصباً على الأبرياء، الذين تعتقلهم الشرطة وتنكل بهم، أما المجرمون فلا أحد يتصور أن شتمهم أو ضربهم يشكل جريمة!. الناس تميل فى العادة إلى التسامح مع الانتهاكات، التى يتعرض لها من يرونهم مجرمين، نحن نردد كالببغاوات أن المتهم برىء حتى تثبت إدانته، ومع هذا فإننا لا نمانع فى أن يتم ضرب هذا المتهم البرىء أثناء القبض عليه، وبعد القبض عليه، وطوال مدة تشريفه فى قبضة السلطة!. هذا فيما يخص المتهم البرىء، فما بالنا بالأمر إذا تعلق بمن تم الحكم عليه وإدانته، ثم قبعه بالسجن لقضاء فترة العقوبة...هذا يتعامل معه الجميع باعتباره أقل من كلب، فلا يأسى أحد على حاله، ولا يجزع أحد من تعذيبه، وذلك لأنه مجرم!.
ويمكننى أن أعطى مثالاً بسيطاً يوضح فكرتى، وهو أنك أنت شخصياً إذا قمت بالاستجابة لنداء سيدة فى الشارع تصرخ قائلة: حرامى، وقمت مع غيرك من الناس بمطاردة اللص.. هل تراك تشعر بأى غرابة عندما تجد الناس بعد الإمساك بالحرامى يوسعونه صفعاً ولكماً وركلاً وبصقاً؟.
هل تجد فى نفسك رغبة فى الدفاع عنه وحمايته من الأذى؟. بل هل كنت تستطيع السيطرة عليه، والإمساك به دون التورط فى إيذائه بدنياً؟. أغلب الظن أنك لا تستطيع.. وكذلك رجال الشرطة لا يستطيعون الإمساك بحرامى دون أن يتعرض على أيديهم للإصابة حتى لو كان مسالماً، ولم يقاوم! والسبب هو إيمانهم مثل المواطن العادى بأن المتهم مستباح، ولعل هذه هى البذرة التى أثمرت شجرة العلقم، وجعلت أجهزة الأمن تتمادى فتصيب الجميع بجهالة، وتصبح إهانة الناس هى الأصل، واحترامهم أمرا غير موجود فى دليل العمل الشرطى!
الموضوع كبير والمشوار طويل، وأول خطوة فيه أن يحترم المواطن المدنى حقوق أخيه المواطن المدنى، ثم تنتقل هذه الروح بالتدريج إلى رجال الأمن.
نقلاً عن "المصري اليوم"