أسامة غريب
بعد إلغاء القوى العاملة التى كانت تساعد الخريجين والذين يحتاجون للعمل اضطربت الأحوال الاجتماعية بشدة، وظهرت إلى الوجود مجموعة من المهن لم تكن معروفة من قبل مثل مهنة منادى السيارات، التى أصبحت تجتذب حملة الشهادات. مهنة أخرى نمت وازدهرت هى قيادة «التوك توك» التى دخلتها فئات كثيرة من المواطنين منهم الخريجون الجدد والذين تم تسريحهم بعد بيع المصانع والشركات، كما اجتذب «التوك توك» أيضاً جانباً لا بأس به من العمال والصنايعية الذين كانوا فى سبيلهم ليصبحوا عمالاً مهرة بالورش والمصانع لكنهم آثروا السنكحة والانطلاق فى الشوارع مع العودة بمائة جنيه آخر اليوم.
لم تكن هاتان المهنتان الوحيدتين اللتين خرجتا من رحم البطالة، ولكن هناك مهنة أخرى ظهرت للوجود ولم نكن نعرفها أيام كانت مصر لاتزال دولة متماسكة. هذه المهنة الجديدة اسمها الخبير أو المحلل الاستراتيجى، وهى فى الحقيقة لا توجد إلا فى المجتمعات البائسة، عند الغلابة وفاقدى الحيلة..أو السكارى دون شراب.. أولئك الذين شخرمتهم الحياة وعصفت بهم، ثم لم تكتف لهم بضنك العيش لكن أوقعتهم فى حبائل الخبراء الاستراتيجيين الذين يمارسون النصب آناء الليل وأطراف النهار.
والسادة المحللون الاستراتيجيون هم فى الغالب موظفون سابقون خرجوا على المعاش وتأثر دخلهم كثيراً بالخروج أو الاستبعاد من الخدمة، ولا مشكلة طبعاً فى البحث عن عمل يشغل الوقت ويأتى بقرشين، وليس مستنكراً سعيهم وراء زيادة الدخل، فأكل العيش شىء مشروع ولا غبار على التماسه، لكن المشكلة أنهم فى سعيهم هذا يصيبون الناس بالصداع ويشوشون تفكيرهم ويزيدونهم حيرة على حيرتهم. وعلى الرغم من ضيقى بمناديى السيارات الذين يفرضون أنفسهم على أصحاب السيارات ويأخذون الفلوس بالغتاتة والإلحاح، فإننى فى النهاية لا أستغنى عنهم حتى أضمن حراسة السيارة، كذلك رغم استيائى من «التوك توك» الذى يزحم الشوارع ويمشى عكسياً طول الوقت فإننى أقدّر أنه يقدم خدمة يحتاجها الناس.. أما المحللون الاستراتيجيون فإن وجودهم على الشاشات هو خطيئة قى حق المُشاهد لا تغتفر. وإذا أضفنا إليهم خبراء الاستوديو التحليلى لكرة القدم الذين يتفوقون عليهم فى السطحية والجهل فإن الوضع يصبح كارثياً. لهذا فإننى أهيب بهم أن يبحثوا عن عمل شريف فى سكة أخرى كشراء ماكينة تريكو بالتقسيط والعمل عليها أو حتى أن يستأجر الواحد منهم قرداً صغيراً يسرح به، فهذا خير من أكل العيش عن طريق الكلام الفارغ!.
نقلاً عن "المصري اليوم"