أسامة غريب
الصور النمطية المحفورة فى الخيال عن الناس والأشياء هى المحفز الأكبر للسلوك واتخاذ المواقف، بصرف النظر عن المنطق وعن مقتضيات العدالة!. على سبيل المثال هناك صورة نمطية تملأ خيال قطاع من المصريين عن المحجبات والمنتقبات وأصحاب اللحى.. صورة تعتبرهم دخلاء على هذا المجتمع الذى من المفترض أن لأهله زياً وهيئة هى نفس هيئة الأوروبيين.. وهؤلاء يدللون على صحة تصورهم بأن مصر الجميلة- كما عرفوها فى الستينيات- هى التى ارتدت فيها الفتيات والنساء المينى جيب، دون أن يرتبط هذا بأى سلوك سيئ..على العكس كان السلوك ناضجاً ومحتشماً، وكانت الأفكار نبيلة بالنسبة للنساء والرجال على السواء. وهؤلاء يحملون فى خيالهم أيضاً صورة مصر الليبرالية فى الثلاثينيات والأربعينيات عندما كانت الموضة تأتى إلى مصر قبل أن تصل إلى القارة الأوروبية. معظم الذين تملأ خيالهم هذه الصور لم يشعروا بغضاضة نتيجة القتل والتنكيل الذى تعرض له أناس يختلفون عنهم فى الزى والهيئة وأسلوب الحياة.. بالعكس، ربما رأوا أن هذا قد يكون خطوة ضرورية على طريق العودة إلى مصر الحقيقية. ومن الغريب أن هؤلاء لا يشبهون مصر التى يستدعونها فى الخيال ويحلمون بها!
ومن جهة أخرى هناك صورة نمطية أخرى تعشش فى أذهان نوع آخر من المصريين عن زمن الخلافة وعن الشريعة وتطبيقها.. ذلك الحلم الجميل الذى يرونه سيخلق اليوتوبيا على أرض مصر.. وهؤلاء فى العادة لا يعرفون خريطة تفصيلية عن هذه الشريعة ولا عن كيفية تطبيقها أو تأثير هذا التطبيق على حياة الناس.. كل ما يعرفونه أن مشكلاتنا المزمنة سببها الوحيد هو البعد عن الله. وبطبيعة الحال فإن الذين تملأ هذه الصورة خيالهم لا يحملون تقديراً يُذكر لشركائهم فى الوطن ممن تملأ رؤوسهم صور أخرى عن الحياة والسعادة، ولهذا لا يتعاطفون مع مصائبهم ولا يمدون لهم يد الغوث فى الملمات. وهؤلاء كذلك لا يشبهون رموز الفترة التاريخية التى تثير خيالهم أيضاً!
هذه هى الحقيقة التى يعجز البعض عن رؤيتها، ويخجل البعض الآخر من الإقرار بها، فتراهم ينسبون الإرهاب لمن يكرهونهم، وذلك حتى يريحوا ضمائرهم، بعد أن تخلوا عن مسؤولياتهم الإنسانية. والجانب الآخر كذلك لن يعترف بوقوعه فى أسر صورة واحدة ملأت عليه كيانه وباعدت بينه وبين جيرانه، إنما قد يستسهل وينسب الكفر والمروق لمن لا تمتلئ جمجمته بنفس الصورة الذهنية للفردوس وللجحيم. والحل بطبيعة الحال لا يكمن فى محو الصور من الأدمغة بالإكراه وإنما فى ذلك الاختراع العجيب المسمى بالتعايش فى إطار الاختلاف!
نقلاً عن "المصري اليوم"