أسامة غريب
فى العرف الدبلوماسى بين الدول هناك أكثر من إجراء للاحتجاج وإبداء الغضب من دولة ما تجاه ما تراه ماساً بها من دولة أخرى. من هذه الإجراءات أن يقوم وزير الخارجية باستدعاء سفير الدولة المعنية لتوضيح موقف دولته وتفسير تصرفها غير المقبول.
وهناك شكل أكثر تصعيداً يتمثل فى سحب الدولة لسفيرها من البلد المسىء وعودته لبلده، وفى هذه الحالة يقال إنه عاد للتشاور، ويكون هذا الإجراء فى العادة مقدمة لاهتمام الدوائر العليا فى البلدين بالموضوع، وينتهى الأمر إما بالتصافى وعودة المياه لمجاريها أو بقطع العلاقات.. حسب الحالة!
فى خطابه أمام الأمم المتحدة، منذ عدة أسابيع، طالب الرئيس التونسى المنصف المرزوقى بالإفراج عن الرئيس المصرى المعزول محمد مرسى، وهو الأمر الذى رأته القاهرة ماساً بها وبسيادتها، فقامت بالاحتجاج من خلال استدعاء السفير المصرى فى تونس من أجل التشاور. إلى هنا والأمر عادى وطبيعى تماماً بصرف النظر عن الموقف مما طالب به المرزوقى بالقبول أو بالرفض.
لكن الذى استوجب الدهشة هو قيام دولة الإمارات الشقيقة باستدعاء سفيرها فى تونس غضباً لمصر، واحتجاجاً على التدخل التونسى فى شؤونها!! من الممكن أن يقال فى هذا الصدد إن الموقف الإماراتى يمثل دعماً للنظام المصرى الذى يواجه ضغوطاً، بعضها داخلى وبعضها من الخارج، وهذا عظيم ومحمود..غير أنه يظل مع ذلك داعياً للدهشة، طبقاً للأعراف الدبلوماسية، إذ إن الدول تحتج فى العادة على ما يمسها هى وليس على ما يمس غيرها، وطالما أن الأمر لا يتعلق بعدوان مسلح، فإن الدول فى العادة تنأى بنفسها عن الدخول بين دولتين، خاصة إذا كانت هاتان الدولتان شقيقتين والدولة الغاضبة بالوكالة شقيقة أيضاً!! الامتنان واجب بطبيعة الحال للإمارات على موقفها الداعم لمصر، رغم أن البعض رأى أن غضب أبوظبى من التدخل التونسى فى شؤون مصر الداخلية واستدعاءها سفيرها من تونس هو أيضاً تدخل فى شؤون مصر الداخلية! ويقال فى أسباب الدهشة أيضاً إن البلدان والشخصيات التى طالبت بنفس ما طالب به الرئيس التونسى كثيرة.. فعل ذلك قادة ورؤساء أحزاب فى فرنسا وألمانيا وأمريكا وتركيا والبرازيل وجنوب أفريقيا وغيرها، ومع ذلك مر الأمر دون غضب دبلوماسى أو سحب سفراء، فلماذا توجهت الغضبة إلى تونس بالذات؟! من المؤكد أن النظام الحاكم فى مصر يشعر بالامتنان لدولة الإمارات الشقيقة، التى لم تكتف بالرعاية المالية والدعم الإعلامى، وإنما صارت كفالتها تمتد إلى الحماية الدبلوماسية، ولو أدى الأمر إلى قطع العلاقات مع من يسىء لمصر، وهذا لعمرى دور جليل كانت مصر تقوم به فى السابق نحو الشقيقات الأصغر التى كانت تتطلع للحرية، وتواجه الغضب الخارجى من أجلها. كل الشكر للإمارات التى أصبحت تمد مظلة حمايتها على مصر ولا تدع أحداً يضايقها دون أن يفلت من العقاب، مع دعاء بأن يديم علينا أفضال الشقيقة الكبرى أبوظبى.
نقلاً عن "المصري اليوم"