أسامة غريب
من المؤسف أن أفراد ما يسمى «النخبة المصرية»، وأغلبهم من الليبراليين وأهل اليسار، لا يؤمنون حقاً بالديمقراطية، وأن جُلهم ينظر إلى عموم المصريين باحتقار وتأفف ويرونهم غير جديرين باختيار من يحكمهم!.. ومع هذا فإن أحداً من هؤلاء لا يملك شجاعة أن يعلن موقفه هذا على الملأ، وإنما إذا دُعوا للقاء تليفزيونى أو لكتابة مقال ملأوه بالحديث عن الشعب القائد والمعلم الذى بنور حكمته يستضيئون ومن مخزون فطنته ينهلون!
واحد من هؤلاء حدثنى بالأمس وكان صريحاً فصدمتنى آراؤه التى حملت تعالياً ونفوراً من أبناء الشعب البسطاء. قلت له: أراك تملأ الشاشات حماساً للوضع الجديد كما لو كانت الست والدتك قائد طابية! قال: أجمل ما فى الأمر أن التغيير الذى حدث جاء على مقاس العقلاء الذين يفهمون من أبناء الشعب، أما الأغبياء والدراويش والمشعوذون فلا قيمة لهم عندى! قلت له: أنت تعرف رأيى فى حكم الإخوان الفاشل، لكنى أريد أن أسمع منك عن قيمة الانتخابات عندك وموقع الصندوق كمعبر عن الإرادة الشعبية، أجاب بنفس البساطة: صندوق الانتخابات هو صندوق النفايات، وفى حالة البلدان المتخلفة لا يأتى هذا الصندوق الملعون إلا بالزبالة!. قلت مبهوتاً: أنا أعلم عن جهل الشعب وفقره، لكن هذا ليس عذراً للكفر بالديمقراطية، لأن الناس تسىء الاختيار فى كل الاتجاهات وليس فى اتجاه واحد فقط، ولكن مع الوقت والتجربة تتحسن القدرة على الفرز. لوى شفتيه ولم يرد. قلت له: يعنى هذا أنك لا تؤمن بالديمقراطية والاختيار الحر للشعب؟. قال: طبعاً لا أؤمن بهذه الخرافات. قلت: وماذا ستفعل أنت وأصحابك إذا أتت نتيجة الانتخابات البرلمانية والرئاسية القادمة على غير ما تشاءون وتهوون. قال: وهل يحتاج الأمر إلى سؤال.. الانتخابات القادمة سيتم هندستها بحيث لا يتكرر خطأ المرة الماضية. قلت: تقصد أنك تؤيد تزوير الانتخابات حتى لا تأتى بالإسلاميين من جديد؟. هز رأسه موافقاً. قلت وقد يئست منه: ولماذا لا تتحلى بالشجاعة فتعلن على الناس رأيك هذا بدلاً من الكذب الذى تسبح فيه وادعاء اعتناق الليبرالية وعشق الديمقراطية؟. رد بتبجح: لو كنا فى مجتمع محترم وسط شعب يفهم لأعلنت رأيى بصراحة، لكن عندما يكون الناس بهذه الحالة فمَن هو العبيط الذى يصارح جمهوره المتخلف بحقيقتهم فيخسرهم!.. سكت قليلاً ثم أردف: فى الغرب يا حبيبى تستطيع أن تصارح الناس بحقيقة موقفك الإلحادى وأنت آمن ومطمئن، أما هنا لو قلت للناس إنك لا تؤمن بإلههم لقتلوك ومثلوا بجثتك فى الشارع. تركت هذا المغفل وهو يعتقد أنه أفحمنى دون أن يدرى أننى ازددت احتقاراً له لأنه يمثل شريحة من المثقفين ترحب بالاستبداد ولا تثق بالشعب، وفى الوقت نفسه تتملقه وتكذب عليه.. ازددت احتقاراً له لأن أحداً لم يطلب منه أن يعلن إلحاده على العامة.. لكن كل ما نريده منه ألا يشاركهم الصلاة بدون وضوء!
نقلاً عن "المصري اليوم"