توقيت القاهرة المحلي 16:23:26 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ياخفى الألطاف

  مصر اليوم -

ياخفى الألطاف

أسامة غريب

فى السنوات التى قضيتها فى كندا كان ينتابنى إحساس غريب لم أشعر به من قبل.. كنت أشعر بأننى غنى من الناحية المادية مقارنة بغالبية أهل البلد، وكان هذا الشعور يدهشنى إذ إننى كنت مجرد موظف، ولم أكن مستثمراً أو رجل أعمال. لقد تصورت أن يكون هذا الشعور طبيعياً لو أننى كنت أعيش فى أحد بلاد أفريقيا البائسة أو بلاد آسيا التعيسة، أما فى كندا الغنية العفية التى تمنح القروض والمعونات للدول الفقيرة فإن دهشتى كانت طبيعية. بمرور الوقت زالت الدهشة بعد أن لمست أن الناس هناك يشكلون طبقة وسطى عريضة من محدودى الدخل، الذين يجدون ما يكفيهم، لكن دون فوائض، وعرفت أيضاً أن الحاجة ليست ماسة فى هذا النوع من المجتمعات العادلة إلى الدخول فى مطحنة الحياة من أجل المال، ذلك أن الدولة تقدم الخدمات، وتوفر الاحتياجات الأساسية بالمجان، فالتعليم مجانى وكذلك العلاج، وأسعار مستلزمات الحياة كالمأكل والملبس والمواصلات رخيصة وفى قدرة الجميع، وهناك يستطيع أى مواطن أن يمتلك منزلاً، ثم يسدد ثمنه على أقساط مريحة تبعاً لدخله، ولو مات أحد المقترضين قبل السداد يسقط الدين فوراً عن الورثة. لم يكونوا دولة اشتراكية من تلك التى توزع الفقر على الجميع بالتساوى، وإنما تركوا الحافز الفردى قائماً، وسبل المنافسة مفتوحة لمن يرغب فى حياة بها ترف زائد، وسلع استهلاكية أكثر!.. هكذا كان الناس يعيشون فى طمأنينة لا تجعلهم يحملون همّ تزويج البنت وتجهيزها، أو شراء شقة تمليك للولد أو ادخار قرشين للعلاج، أو لمفاجآت الحياة غير المتوقعة، ولعل هذا ما جعلنى أكتشف سذاجتى عندما تصورت نفسى أغنى منهم لمجرد أن راتبى أعلى من غالبيتهم، ونسيت انتمائى لوطن يُذل فيه الإنسان، وتُدهس كرامته لمجرد أن دخله محدود.. وطن يعج باللصوص من أصحاب الملايين، الذين يمتلكون كل شىء، بينما أى موظف شريف - مهما علا- لا يساوى بصلة، وحيث لا يملك الفقير ترف أن يمرض! ومن المحزن أن الظلم الاجتماعى يجعل الناس فى حالة هوس خشية السقوط فى بئر الفقر، والغوص فى ظلماتها، وينطبق هذا على الطبقة الوسطى أكثر من انطباقه على الطبقات الدنيا، فهؤلاء لا يخشون على أنفسهم فقط، لكن خشيتهم على أبنائهم أكبر، ولعلهم بوعى أو دون وعى يتمثلون أحداث قصة «شىء فى صدرى» للكاتب المرحوم إحسان عبد القدوس، وهى نموذج كلاسيكى يوضح أن كل ما يبنيه المرء فى حياته واستثماره فى أولاده من خلال تعليمهم وتربيتهم.. كل هذا يمكن أن يضيع إذا مات الإنسان فجأة دون أن يترك لأبنائه مالاً. فى كندا لا تحتاج أن تترك للأبناء مالاً، لكن فى مصر يمكن أن تحدث لهم كوارث إذا لم تفعل.. أبسطها أن يتمكن أعداؤك من الاستيلاء على زوجتك، والعبث بها نكاية فيك، ثم الحصول على ابنتك وافتراسها تعويضاً عن كل مباريات الشرف، التى فزت فيها عليهم أثناء حياتك.. فياخفى الألطاف نجنا مما نخاف! نقلاً عن "المصري اليوم"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ياخفى الألطاف ياخفى الألطاف



GMT 09:03 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

شالوم ظريف والمصالحة

GMT 09:02 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

مسرح القيامة

GMT 09:01 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان... و«اليوم التالي»

GMT 09:00 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

لماذا توثيق «الصحوة» ضرورة وليس ترَفاً!؟

GMT 08:59 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

جهود هوكستين: إنقاذ لبنان أم تعويم «حزب الله»؟

GMT 08:57 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

الوجدان... ليست له قطع غيار

GMT 08:55 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

«فيروز».. عيونُنا إليكِ ترحلُ كلَّ يوم

GMT 08:54 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

ذكرى شهداء الروضة!

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 11:07 2020 الجمعة ,24 كانون الثاني / يناير

سعر الذهب في مصر اليوم الجمعة 24 كانون الثاني يناير 2020
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon