أسامة غريب
بعض الناس يُبدون الدهشة من التحولات التى تطرأ على أناس كانوا يظنونهم من الثابتين على المواقف المتمسكين بالمبادئ.. ولهؤلاء أقول إن ضعف الذاكرة هو ما يدعوكم إلى الاندهاش، أما أنا شخصياً فلست مندهشاً ولا مصدوماً فى أحد ممن بدوا ثواراً بالأمس واليوم يؤيدون الظلم الذى وقفوا ضده فى السابق.
فى السبعينيات واجه الرئيس السادت معارضة يسارية بعد خروجه عن خط عبدالناصر، أو هذا ما اعتقدناه عندما رأينا كوكبة من السياسيين والإعلاميين يرحل بعضهم إلى ليبيا والبعض الآخر إلى العراق أو إلى باريس ولندن، ثم يشنون هجوماً ضارياً على الرجل من خلال الصحف التى مولها لهم معمر القذافى وصدام حسين وغيرهما من المجاهدين!.. فى ذلك الوقت لم أكن أخفى إعجابى بهؤلاء الأحرار، خاصة أننى كنت أماثلهم فى الرأى بالنسبة للسادات، ولطالما خرجت مع زملائى الطلبة نهتف ضده. انقضت سنوات السادات واعتلى مبارك الحكم وكانت سيئاته على الطريق الذى بدأه السادات أكثر فحشاً وعنفاً ووحشية، خاصة فى مجال خدمة إسرائيل وسياسات إفقار الفقراء، ومع هذا وجدنا السادة المناضلين الذين فضحوا السادات فى مشارق الأرض ومغاربها يعملون فى بلاط مبارك كوزراء ومحافظين وكوادر بحزبه الوطنى أو بالأحزاب التى تمثل أنها تعارضه، ووجدناهم يشغلون مناصب رؤساء تحرير صحف ومجلات تروج للتطبيع وتناصر التوريث، وعرف العالم للمرة الأولى شيوعيين وناصريين يتحمسون لبيع القطاع العام!..
بعد ذلك فهمنا أن معارضتهم للسادات لم تكن سوى مكايدة من أناس ممرورين من الرجل الذى أعرض عنهم واستعان بغيرهم وهو ينفذ سياساته البائسة، ولم يفكر فى استخدامهم رغم أنهم كانوا متاحين وتحت الطلب.
اليوم نعيش أوقاتاً مماثلة مع تجربة شبيهة، فالكثير من السادة الذين عارضوا مبارك فى سنواته الأخيرة واصطفوا ضده فى حركات وجمعيات حرّكت الشارع ثم شاركوا بفاعلية فى ثورة 25 يناير، نجدهم اليوم وياللعجب يتحمسون لتأييد كل ما استنكروه من مبارك.. كل هذا يعيدنا للمثال الخاص بمعارضى السادات الذين لم يفهمهم- رحمه الله- وفهمهم مبارك وعرف أنهم ليسوا معارضين ولا يحزنون، لكنهم يريدون أن يأكلوا معه فدعاهم إلى مائدته وأنالهم قضمات من لحم الوطن. أخشى ما أخشاه أن يكون النظام الحالى قد تعلم من تجربة مبارك مع معارضى السادات، وفهم كيف يتعامل مع بعض من ثاروا على حكم العائلة ورفضوا التوريث، وعرف أنهم لا ثوار ولا يحزنون، لكنهم غضبوا على مبارك لأنه تكبر عليهم وأهملهم ولم يُدخلهم فى معيته، كما ضن عليهم بالمناصب التى حلموا بها ولم يدْعُهم إلى مائدته العامرة بما لذّ وطاب من لحم مصر.. المشوى.
نقلاً عن "المصري اليوم"