أسامة غريب
شغلنى كثيراً أثناء حضور حفلات الموسيقى الكلاسيك دور قائد الأوركسترا. أحسست بعظمته، وأنا ألاحظ تعلق عيون أعضاء الفرقة به وبعصاه، تلك العصا، التى تبث الإشارة فتنتقل إلى العازف، وتسرى فى كيانه، ثم تنتقل لأصابعه لتصنع أجمل النغمات فى هارمونى متناسق وبديع. غير أن كثرة حضورى الأعمال الموسيقية قد نبهتنى لشىء غريب.. لقد اعتدنا أن نرى المطربين العرب يغنون وصاحب الفرقة الموسيقية يقف إلى جوارهم يمسك بعصاه، ويؤدى دور المايسترو، الذى يقود الفرقة. الآن أصبحت أدرك أن المسألة فيها شىء غلط.
إن الأغنية العربية هى أغنية بسيطة غير مركبة، والموسيقى فيها ليست الأساس، لكن الأساس هو المطرب، ثم تلى المطرب فى الأهمية كلمات الأغنية، التى يطرب لها السامع، ويتمايل معها، خاصة لو كان الإيقاع راقصا!.. فكيف والحال هكذا يقف قائد الفرقة متقمصاً دور المايسترو فى أغنية بها أقل قدر من الموسيقى بما يعنى أنها لا تحتاج إلى مايسترو على الإطلاق!..النوتة أمام كل عازف تكفى وتزيد، والعازفون فى الأغنية العربية يقومون جميعاً، وفى الوقت نفسه، بعزف نفس النغمة.. أى أن الكمان يعزف نفس ما يعزفه العود والقانون والأكورديون والكونترباس والتشيللو والناى.. ففيم الاحتياج إلى المايسترو إذن؟
الحقيقة أن وجود المايسترو أو قائد الأوركسترا عند العزف السيمفونى هو وجود حيوى وأساسى، ولا غنى عنه، ذلك أن الفرقة لا يقوم أفرادها جميعاً بعزف النغمة نفسها فى الوقت نفسه، وإنما كل آلة أو مجموعة من الآلات تنطلق فى لحن فرعى يكمله لحن فرعى آخر تعزفه مجموعة مجاورة من الآلات، والجميع يتقاطعون مع بعضهم البعض، ثم ينفلتون، ويعرج كل منهم إلى درب، ثم يعود بعد وقت مقدر إلى المجموعة، وذلك فى أداء رفيع مبهر. كل هذا يحتاج إلى القائد، الذى يحدد لكل منهم بعصاه، وبنظرة من عينه متى ينطلق، ومتى يعود، ومتى يتوقف، ومتى يلتحم بالمجموعة.
هذا هو دور قائد الأوركسترا، وهذا ما يفعله.. فماذا يا ترى يفعل قائد الفرقة فى أغنية عربية عادية ليس بها توزيع أوركسترالى، وليست بها آلات تعزف أكثر من لحن فى الوقت الواحد؟
لا شك أنه لا يفعل شيئاً سوى أن يقف بجسارة، وفى يده العصا يمثل على الجمهور الطيب ليقنعهم بأهمية دوره، خاصة إذا انفعل، وأخذ المسألة على نحو جاد فتقلصت ملامحه، وتشنجت أطرافه، واكتسى وجهه باللون الأحمر، ويداه ترتفعان فى الهواء على نحو يماثل ما فعله عبدالسلام النابلسى، وهو يؤدى دور حسب الله السادس عشر، ومعه مساعد المايسترو زينات صدقى!
نقلاً عن "المصري اليوم"