أسامة غريب
أشعر بصدمة لدى زيارتى شخصا عندما أطالع على باب الشقة خرزة زرقاء أو كفا له خمسة أصابع وضعه صاحب البيت درءاً للحسد!. وقد حدث أكثر من مرة أننى عدت أدراجى، وألغيت الزيارة، ثم تعللت تليفونياً بأى عذر نتيجة عدم قدرتى على التظاهر بالسعادة فى وجود مضيف يتوجس خيفة من ضيوفه، فيضع على بابه تعاويذ وثنية يظن أنها تقية شرورهم وتمتص الأشعة المؤذية التى أتوا لينشروها فى بيته.
لم تفلح الأيام فى أن تقنعنى بحسن نية من يفعلون هذه الأشياء، ولا فى تصور أن هذه الطقوس الجاهلية قد تفلح فى حماية من يؤمنون بها، ولعل هذا يرجع إلى إيمانى الحقيقى بأن النافع هو الله، والضار هو الله، ويدهشنى أن هؤلاء المشركين بالله يظنون أنفسهم أكثر الناس إيماناً وتقوى، بسبب مئات المرات، التى يقرأون فيها المعوذتين كل يوم فى وجه من يلقى عليهم تحية الصباح والمساء، ومن يمتدح حُسن طلعتهم أو ذوقهم فى اللبس، أو حتى يتلطف بكلمة حلوة- قد لا يعنيها- من باب الذوق، ولا أظننى أغالى عندما أعتبر هؤلاء الناس من المشركين بالله، الذين يظنون أن بعض عباده قد يفرضون مشيئتهم على الخالق، أو يصدرون إليه تعليمات بإيذاء هذا ومرمطة ذاك فيمتثل لهم وينفذ أوامرهم!، وفى هذا الخصوص لا تتوقف عندى الأسئلة من عينة: ولماذا لا يقوم هذا الحاسد الجبار الذى تعلو مشيئته على مشيئة الخالق بنفع نفسه بدلاً من أن يكتفى بالإضرار بالغير ليساووه فى الخيبة؟!
إن خطورة شيوع الاعتقاد فى هذه الأشياء تكمن فى أنها تنشر البغضاء بين الناس، وتجعلهم يتربصون ببعضهم البعض، فضلاً عن كونها تعمق الرياء والود المصطنع مع إخفاء المشاعر السلبية الحقيقية تجاه الآخرين، التى تتولد بطبيعة الحال نتيجة إيماننا بأنهم يكرهوننا، ويتمنون زوال نعمتنا، ولننظر كيف يكون الحال فى العلاقات بين الناس وكل منهم يظن الآخر حاسداً حقوداً، ولنتطلع إلى حواراتهم التى يكتفى كل منهم فيها بإيراد الأخبار السيئة عن الصحة المعتلة، والزوج المناكف، والتجارة الكاسدة، والحال الواقف، والولد الذى ذهبنا به للدكتور ثلاث مرات هذا الأسبوع، والخسائر فى البورصة، والدروس الخصوصية قاصمة الظهر، ولا ننسى الإكثار من ذكر الرقم خمسة بمناسبة ودون مناسبة، وإقحام يوم الخميس فى الحديث.
أى حياة هذه التى يعيشها الناس وهم يظنون الدناءة فى الأهل والأصدقاء والجيران؟ وأى أمل فى السعادة وهم يعتقدون أن سوء الظن هو الذى يحميهم، والتعاويذ التى يضعونها على الباب هى التى تكفل سلامتهم، وأن التخميس فى وجه الآخرين هو حائط الصد ضد المكر السيئ للأخ والأخت والصديق والجار، الذين يتمنون لنا زوال النعمة، بينما هؤلاء جميعاً يظنون فينا نفس الشىء!
نقلاً عن "المصري اليوم"