أسامة غريب
شاهدت فيلم «فندق رواندا» مرات عديدة، لكن مشاهدتى الأخيرة له كانت مختلفة. الفيلم من إنتاج 2004، ويحكى عن الحرب الأهلية التى دارت من 1990 إلى 1994 بين عنصرى الأمة الرواندية الهوتو والتوتسى. شاهدنا فى الفيلم الحرب التى دارت رحاها بين متمردى التوتسى والجيش الرواندى، ثم ما أعقبها من مذابح جماعية للأبرياء ارتكب أغلبها جحافل الغوغاء من الهوتو عندما تعقبوا كل رجل وامرأة وشيخ وطفل ممن ينتمون لقبيلة التوتسى. إذا عدنا للبداية نجد أن الاستعمار البلجيكى هو الذى زرع لغم العنصرية والشقاق بين أهل البلد عندما قام بالتمييز بين السكان، وأصدر بطاقات هوية يحدد فيها الانتماء القبلى، كذلك قام البلجيك بتقريب التوتسيين والاستعانة بهم، وجعلوا منهم طبقة متسيدة تحكم وتتحكم فى الأغلبية..
وبعد رحيل البلجيك ونَيْل رواندا استقلالها عام 1962 استمرت المشاحنات بين الجانبين، وكان من نتيجتها أن الهوتو الذين تولوا مقاليد الحكم قاموا بعمليات اضطهاد واسعة للتوتسى كرد فعل على ما لاقوه من هوان فى السابق، وكان التوتسى يُنظر إليهم على أنهم أنذال وخونة تعاونوا مع المستعمر لأجل مصالحهم الخاصة، فتم حرمانهم من التعليم العالى وفرص التوظف، وجعلوا منهم مواطنين من الدرجة الثانية، وقاموا بتهجير أعداد كبيرة منهم إلى الدول المجاورة. فى عام 90 تكونت ميليشيات من التوتسى الذين نشأوا فى المهجر تملأ رؤوسهم أفكار العودة للانتقام.. قاموا بدخول رواندا عبر الأراضى الأوغندية لمحاولة فرض حماية على أبناء قبيلتهم المستباحين، وقد حققوا نجاحات عديدة ضد الجيش الرواندى الضعيف. لكن السكان الهوتو تسلحوا بكثافة، ونمت بينهم شعارات نازية تنادى بقتل التوتسى الذين سموهم الصراصير، وحمل الجميع السلاح وسط حالة من الهستيريا الجنونية التى صورت أن الفصيل الآخر من السكان هم الشيطان الذى ينبغى حرقه.
مات فى الحرب الأهلية فى تلك الفترة حوالى مليون من المدنيين الأبرياء تم ذبحهم بالمناجل والسكاكين والبُلط، وقد غطت جثثهم الشوارع، وأغلقت الطرق، وطفت على صفحة النهر، قبل أن يتم حفر آلاف المقابر الجماعية، خشية انتشار الأوبئة. هذا وقد وجد كل فصيل من يسانده ويمده بالعتاد والمؤن، فقامت أوغندا بتكليف مرتزقة غربيين بتدريب مسلحى التوتسى، كما قامت بلجيكا ومن بعدها فرنسا بإمداد الجيش الرواندى (الهوتو) بالسلاح.. وقد ساعد ذلك على إطالة أمد الحرب واستمرار ذبح المدنيين. صّور فيلم فندق رواندا هذا كله، وأدان المجتمع الدولى الذى وقف يتفرج على الأبرياء يحصد الموت أرواحهم، بينما قام رجل واحد هو «بول روسيسا باجينا»، مدير أحد الفنادق، بإيواء أكثر من ألف من المدنيين. لم ينس الفيلم أن يقدم الإذاعة التى قامت من خلال برامجها بالشحن الطائفى والتحريض. ومن المؤكد أنهم قدموا أغنية إحنا شعب وانتو شعب الخاصة بهم.. لكنى غير متأكد إذا كانوا قد عرفوا تسلم الأيادى!
نقلاً عن "المصري اليوم"